للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) بالذال المُعْجَمَة أي قاطعها. ويجتمل أن يكون بالدال المهملة، والمراد على التقديرين الموت فإنه يقطع لذات الدنيا قطعًا.

(أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) أَي نغصوا بِذكرِهِ لَذَّاتِكُم حَتَّى يَنْقَطِع رُكُونَكُم إِلَيْهَا فتُقْبِلوا على الله - عز وجل -. والإكثار من ذكر الموت عَظِيم النَّفْع؛ إِذْ بِهِ ينقص حبّ الدُّنْيَا وتنقطع علاقَة الْقلب عَنْهَا، ولو فكر البُلَغاءُ في قول المصطفى - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك لَعَلموا أنه أتى بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووُصِفَ به نظمًا ونثرًا.

وقال أبو حمزة الخراساني: «من أكثر ذكر الموت حُبِّبَ إليه كلُّ باق، وبُغِّضَ إليه كلُّ فانٍ». وقال القرطبي: «ذِكْرُ الموت يُورِثُ استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين: ضيق وسعة ونعمة ومحنة؛ فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها». وقيل: «لا يدخل ذِكْرُ الموتِ بيتًا إلا رَضِيَ أهلُه بما قُسِمَ لهم».

أخي ما بالُ قلبِكَ ليسَ يَنْقَى ... كأنّكَ لا تظنُ الموتَ حقّا

ألَا يا ابْنَ الذينَ فَنَوْا وماتُوا ... أمَا واللهِ ما ذهبُوا لِتَبْقَى

سابعًا: دعاء الله تعالى:

ومنه ما هو وقاية ومنه ما هو علاج، فأما الوقاية فإن على المسلم أن يلجأ إلى الله - عز وجل - ويدعوه متضرعًا إليه بأن يعيذه من الهموم ويباعد بينه وبينها، كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فقد قال خادمه أنس بن مالك سدد خطاكم واصفًا حال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «كُنْتُ أَسْمَعُهُ كَثِيرًا يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» (رواه البخاري). (ضَلَع الدَّيْن) ثقله وشدته. (غَلَبَة الرِّجَال) قَهْرهم.

وهذا الدعاء مفيد لدَفْع الهَمّ قبل وقوعه، والدفع أسهل من الرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>