للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أنفع ما يكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعو به؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» (رواه مسلم).

فإذا وقع الهم وألمّ بالمرء، فباب الدعاء مفتوح غير مغلق، والكريم - عز وجل - إن طُرِق بابه وسُئِل أعطَى وأجاب. قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة: ١٨٦).

ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج: الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرحًا»، قَالَ: فَقِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟»، فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا» (رواه الإمام أحمد في المسند، وصححه الألباني، وقال أحمد شاكر: «إسناده صحيح»).

هذا الحديث العظيم فيه اعترافُ العبد أنه مملوك لله وأنه لا غِنَى له عنه، وليس له سيد سواه، والتزامٌ بعبوديته وإعلانُ الخضوعِ والامتثالِ لأمْره ونهْيِه، وأن الله يصرّفه ويتحكّم فيه كيف يشاء، وإذعانٌ لحكم الله ورِضًى بقضائه، وتوسُّلٌ إلى الله بجميع أسمائه قاطبة، ثم سؤالُ المطلوب ونُشْدَانُ المرغوب.

(وابْنُ أمَتِكَ) أي ابن جاريتك وهو اعتراف بالعبودية. (نَاصِيَتِي بِيَدِكَ) أي لا حول ولا قوة إلا بك، وهذا يدل على كمال قدرته تعالى على التصرف فيه، كما قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>