والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانة بالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه؛ لأن الدعاء مقارِن للعمل، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سدد خطاكم قَالَ:«قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلا تَقُلْ: «لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا»، وَلَكِنْ قُلْ:«قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ»، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» (رواه مسلم).
فجمع - صلى الله عليه وآله وسلم - بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال، والاستعانة بالله، وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار، وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة، ومشاهدة قضاء الله وقدره، وجعل الأمور قسمين:
١ - قسمًا يمكن للعبد السعي في تحصيله أو تحصيل ما يمكن منه، أو دَفْعه أو تخفيفه، فهذا يُبْدِي فيه العبد مجهوده ويستعين بمعبوده.
٢ - وقسمًا لا يمكن فيه ذلك، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم، ولا ريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
والحديث المذكور يدلّ على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، وأن ذلك حمق وجنون، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته.
فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهولٌ ما يقعُ فيها من خير وشر وآمال وآلام، وأنها بيد العزيز الحكيم، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودَفْع