للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْفَادِ (٣٨) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (٤٠)} (ص: ٣٠ - ٤٠).

{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ} سليمان - عليه السلام - من فضائل داود، ومن منن الله عليه حيث وهبه له، فإن من أكبر نعم الله على عبده، أن يهب له ولدًا صالحًا، فإنْ كان عالمًا، كان نورًا على نور.

{نِعْمَ الْعَبْدُ} سليمان - عليه السلام -، فإنه اتصف بما يوجب المدح، وهو {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجَّاع إلى الله في جميع أحواله، بالتأله والإنابة، والمحبة والذكر والدعاء والتضرع، والاجتهاد في مرضاة الله، وتقديمها على كل شيء.

ولهذا {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ}، لما عرضت عليه الخيل الجياد السبق الصافنات أي: التي مِنْ وَصْفِهَا الصُّفُون، وهو رَفْعُ إحدى قوائمها عند الوقوف، وكان لها منظر رائق، وجمال معجب، خصوصًا للمُحتاج إليها كالملوك، فما زالت تُعْرَض عليه حتى غابت الشمس في الحجاب، فألْهَتْهُ عن صلاة المساء وذِكْرِه.

فقال ندمًا على ما مضى منه، وتقربا إلى الله بما ألهاه عن ذكره، وتقديما لحب الله على حب غيره: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ} أي: آثرت حُب الخير، الذي هو المال عمومًا، وفي هذا الموضع المراد الخيل {عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}.

{رُدُّوهَا عَلَيَّ} فرَدُّوهَا {فَطَفِقَ} فيها {مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أي: جعل يعْقِرُها بسيفه، في سُوقِها وأعناقها.

{وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أي: شيطانًا قضى الله وقدَّرَ أن يجلس على كرسِيِّ ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، {ثُمَّ أَنَابَ} سليمان إلى الله - سبحانه وتعالى - وتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>