للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} فاستجاب الله له وغفر له، ورد عليه ملكه، وزاده ملكًا لم يحصل لأحد من بعده، وهو تسخير الشياطين له، يبنون ما يريد، ويغوصون له في البحر، يستخرجون الدُرّ والحلي، ومَن عصاه منهم قَرّنه في الأصفاد وأوْثَقَه.

{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (٣٦) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (٣٧) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ}. وقلنا له: {هَذَا عَطَاؤُنَا} فَقَرَّ به عيْنًا {فَامْنُنْ} على مَن شئت، {أَوْ أَمْسِكْ} عن مَن شئت {بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: لا حرج عليك في ذلك ولا حساب، لعلمه - سبحانه وتعالى - بكمال عدله، وحسن أحكامه، ولا تحسبن هذا لسليمان في الدنيا دون الآخرة، بل له في الآخرة خير عظيم.

ولهذا قال: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي: هو من المقربين عند الله المكرمين بأنواع الكرامات لله.

ومن فوائد هذه الآيات تقديم سليمان محبة الله تعالى على محبة كل شيء. وأن كل ما أشغل العبد عن الله، فإنه مشئوم مذموم، فَلْيُفَارِقْه ولْيُقْبِلْ على ما هو أنفع له.

ومن فوائدها القاعدة المشهورة أن «من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه»؛ فسليمان - عليه السلام - عقر الجياد الصافنات المحبوبة للنفوس، تقديمًا لمحبة الله، فعوضه الله خيرًا من ذلك، بأن سخر له الريح الرخاء اللينة، التي تجري بأمره إلى حيث أراد وقصد، غدوها شهر، ورواحها شهر، وسخر له الشياطين، أهل الاقتدار على الأعمال التي لا يقدر عليها الآدميون.

<<  <  ج: ص:  >  >>