للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندنا صبيَّةً يتيمة، ولها شيء من الدُنيا نريد أن تتزوجَ بها»، فامتنعتُ، فقالوا: «لا»، بل وألزموني، فأجَبْتُهُم إلى ذلك.

فلما زفُّوها إليَّ مدَدْتُ عيني أنظر إليها، فوجدت ذلك العقد بعينه معلقًا في عنقها، فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه. فقالوا: «يا شيخ، كسرتَ قلب هذه اليتيمة مِن نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها»، فقصصتُ عليهم قصة العقد فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير، حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلتُ: «ما بكم». فقالوا: «ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية، وكان يقول: «ما وجدتُ في الدنيا مسلمًا إلا هذا الذي ردَّ علَيَّ هذا العقد»، وكان يدعو ويقول: «اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزَوّجَه بابنتي»، والآن قد حصلَتْ».

فبقيتُ معها مدة ورُزِقْتُ منها بولدَيْن، ثم إنها ماتت فورثْتُ العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار.

١١ - ثمرة الأمانة: عف عن الباذنجان فرزقه الله الباذنجان والمرأة صاحبة الباذنجان ودارها:

كان في أحد مساجد دمشق طالب علم وكان مضرب المثل في فقره وفي إبائه وعزة نفسه وبذلها للآخرين. وكان يسكن في غرفة في المسجد، مر عليه يومان لم يأكل فيهما شيئًا وليس عنده ما يطعمه ولا ما يشتري به طعامًا، فلما جاء اليوم الثالث أحس كأنه مُشْرِفٌ على الموت، وفكر ماذا يصنع، فرأى أنه بلغ حد الإضرار الذي يجوز له أكل الميتة أو السرقة بمقدار الحاجة. وآثر أن يسرق ما يقيم صلبه - هذا ما رآه في حاله هذه.

وكان المسجد يتصل سطحه ببعض البيوت، يستطيع المرء أن ينتقل من أولها إلى آخرها مشيًا على أسقفها، فصعد إلى سقف المسجد وانتقل منه إلى الدار التي تليه فلمح بها نساء فغض من بصره وابتعد، ونظر فرأى إلى جنبها دارًا خالية وشم رائحة الطبخ تصدر منها، وكانت البيوت من دور واحد، فقفز قفزتين من السقف إلى الشرفة فصار

<<  <  ج: ص:  >  >>