للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الدار وأسرع إلى المطبخ فكشف غطاء القدر فرأى فيها باذنجانًا محشوًا، فأخذ واحدة ولم يُبَالِ مِن شدة جوعه بسخونتها وقضم منها قضمة.

فما كاد يبتلعها حتى ارتد إليه عقله ودينه وقال لنفسه: «أعوذ بالله؛ أنا طالب علم مقيم في المسجد، ثم اقتحم المنازل وأسرق ما فيها؟»، وكَبُرَ عليه ما فعل وندم واستغفر، ورد الباذنجانة، وعاد من حيث جاء، فنزل إلى المسجد وقعد في حلقة الشيخ وهو لا يكاد من شدة الجوع يفهم ما يسمع.

فلما انقضى الدرس وانصرف الناس جاءت امرأة مستترة - ولم يكن في تلك الأيام امرأة غير مستترة - فكلمَتْ الشيخ بكلام لم يسمعه فتلفت الشيخ حوله فلم يَرَ غيره فدعاه وقال له: «هل أنت متزوج؟»، قال: «لا».

قال: «هل تريد الزواج؟»، فسكت، فأعاد عليه الشيخ سؤاله فقال: «يا شيخ ما عندي ثمن رغيف، والله، فلماذا أتزوج؟». قال الشيخ: «إن هذه المرأة أخبرتني أن زوجها توفي وأنها غريبة عن هذا لبلد ليس لها فيه ولا في الدنيا إلا عم عجوز فقير وقد جاءت به معها - وأشار إليه قاعدًا في ركن الحلقة - وقد ورثَتْ دار زوجها ومعاشه وهي تحب أن تجد رجلًا يتزوجها لئلا تبقى منفردة فيطمع بها». قال: «نعم»، وسألها الشيخ: «هل تقبلين به زوجًا؟»، قالت: «نعم».

فدعا الشيخ عمها ودعا شاهدين وعقَدَا العقد، ودفع المهر عن التلميذ، وقال له: «خذ بيد زوجتك»، فأخذ بيدها فقادَتْه إلى بيتها، فلما أدخَلَتْه كشفت عن وجهها فرأى شبابًا وجمالًا، وإذا البيت هو البيت الذي اقتحمه، وسألَتْه: «هل تأكل؟»، قال: «نعم»، فكشفت غطاء القِدْر فرأت الباذنجانة فقالت: «عجبًا، مَن الذي دخل الدار فقضمها؟»، فبكى الرجل وقص عليها الخبر، فقالت له: «هذه ثمرة الأمانة، عفَفْتَ عن الباذنجانة الحرام، فأعطاك الله الدار كلها وصاحبتها بالحلال».

<<  <  ج: ص:  >  >>