للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، آنيته كنجوم السماء في كثرتها واستنارتها، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا.

والكوثر صيغة من الكثرة وهو مطلق غير محدود. يشير إلى عكس المعنى الذي أطلقه هؤلاء السفهاء. إنا أعطيناك ما هو كثر فائض غزير. غير ممنوع ولا مبتور. فإذا أراد أحد أن يتتبع هذا الكوثر الذي أعطاه الله لنبيه فهو واجده حيثما نظر أو تصور.

هو واجِدُه في النبوة. وهو واجده في هذا القرآن الذي نزل عليه. وسورة واحدة منه كوثر لا نهاية لكثرته، وينبوع لا نهاية لفيضه وغزارته! وهو واجده في الملأ الأعلى الذي يصلي عليه، ويصلي على من يصلي عليه في الأرض، حيث يقترن اسمه باسم الله في الأرض والسماء.

وهو واجده في سنته الممتدة على مدار القرون، في أرجاء الأرض، وفي الملايين بعْدَ الملايين السائرة على أثره، وملايين الملايين من الألسنة والشفاه الهاتفة باسمه، وملايين الملايين من القلوب المحبة لسيرته وذكراه إلى يوم القيامة.

وهو واجِدُه في الخير الذي فاض على البشرية في جميع أجيالها بسببه وعن طريقه. سواء من عرفوا هذا الخير فآمنوا به، ومن لم يعرفوه ولكنه فاض عليهم فيما فَاض!

وهو واجده في مظاهر شتى، محاولة إحصائها ضرب من تقليلها وتصغيرها!

إنه الكوثر، الذي لا نهاية لفيضه، ولا إحصاء لعوارفه، ولا حد لمدلوله. ومِن ثَمَّ ترَكه النص بلا تحديد، يشمل كل ما يكثر من الخير ويزيد.

ولما ذكر الله - سبحانه وتعالى - مِنَّتَه عليه، أمره بشكرها فقال: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} خص هاتين العبادتين بالذكر؛ لأنهما من أفضل العبادات وأجل القربات.

فعلى غير ما أرجف المرجفون وقال الكائدون، وجه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى شكر النعمة بحقها الأول. حق الإخلاص والتجرد لله في العبادة وفي الاتجاه. في الصلاة وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>