٣ - إن الاستدلال بالآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي من قبيل حمل كلام الله - سبحانه وتعالى - على ما لم يحمله عليه السلف الصالح والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به، وهو أمر لا يليق؛ لأن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه لا يُقبَل ممن بعدهم دعوى دلالة النص الشرعي عليه، إذ لو كان دليلًا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين، ثم يفهمه من بعدهم.
فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له، ولو كان ترك العمل، قال: فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين، وكل من خالف الإجماع فهو مخطىء، وأمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تجتمع على ضلالة.
فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى، وليس ثم إلا صواب أو خطأ فكل من خالف السلف الأولين فهو على خطأ وهذا كاف (١).
٤ - إن سلَّمْنا بأن المراد بالرحمة هو النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فما دخل المولد بالفرح به، إن المولد يعني الاحتفال في يوم معين من السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص، والآية تأمر بالفرحة دون توقيت، كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ولا علاقة للمولد بهذا كله.
٥ - هل الصحابة - رضي الله عنهم - احتفلوا بمولد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ بالطبع لا.
هل الصحابة - رضي الله عنهم - فرحوا برحمة الله، أي بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - على قول المجوّزين للاحتفال؟ لو طبقنا كلامهم فسنقول: بالطبع الصحابة - رضي الله عنهم - لم يفرحوا بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. هذا هو لازم كلامهم، وحاشا الصحابة - رضي الله عنهم - من أن يكونوا كذلك، فإنهم بذلوا أموالهم وأنفسهم حبًّا لله ولرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.