• صور من قناعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -:
لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أكمل الناس إيمانًا ويقينًا، وأقواهم ثقة بالله - عز وجل - وأصلحهم قلبًا، وأكثرهم قناعة ورضًى بالقليل، وأنداهم يدا، وأسخاهم نفسًا؛ حتى كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يفرق المال العظيم: الوادي والواديين من الإبل والغنم، وكان الرجل يسلم من أجل عطائه - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم يَحسن إسلامه.
قال صفوان بن أمية - رضي الله عنه -: «وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ» (رواه مسلم).
قال الزهري: «وَأَعْطَى رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يَوْمَئِذٍ (أي يوم حنين) صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً.» (رواه مسلم).
وقال أنس - رضي الله عنه -: «مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ» (رواه مسلم).
(فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْن جَبَلَيْنِ: أَيْ كَثِيرَة كَأَنَّهَا تَمْلَأُ مَا بَيْن جَبَلَيْنِ، والفاقَةُ: الفَقْرُ والحاجَةُ).
إن تلك الصور الرائعة من بذله - صلى الله عليه وآله وسلم - جعلت أقوامًا وسادة وعتاة من أهل الجاهلية تلين قلوبهم للإسلام وتخضع للحق، وأمامها صور عجيبة لا تقل في جمالها عنها من قناعته - صلى الله عليه وآله وسلم - ورضاه بالقليل، وتقديم غيره على نفسه وأهله في حظوظ الدنيا؛ بل وترك الدنيا لأهل الدنيا، ومن ذلك:
أولًا: قناعته - صلى الله عليه وآله وسلم - في أكله:
أ- عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا قَالَتْ لِعُرْوَةَ: «ابْنَ أُخْتِي، إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نَارٌ».
فَقُلْتُ: مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ؟
قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - جِيرَانٌ مِنْ