للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهِ». «وَاللهِ لَأَنْ يَلِجَّ» مِنْ اللَّجَاجِ وَهُوَ أَنْ يَتَمَادَى فِي الْأَمْر وَلَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ، (آثَم) أَيْ أَشَدُّ إِثْمًا.

ومَعْنَى الْحَدِيث: أَنَّ مَنْ حَلَفَ يَمِينًا تَتَعَلَّق بِأَهْلِهِ بِحَيْثُ يَتَضَرَّرُونَ بِعَدَمِ حِنْثِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ فَيَفْعَلَ ذَلِكَ الشَّيْء وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينه، فَإِنْ قَالَ لَا أَحْنَثُ بَلْ أَتَوَرَّعُ عَنْ اِرْتِكَاب الْحِنْث خَشْيَةَ الْإِثْم فَهُوَ مُخْطِئٌ بِهَذَا الْقَوْل بَلْ اِسْتِمْرَاره عَلَى عَدَم الْحِنْث وَإِقَامَة الضَّرَر لِأَهْلِهِ أَكْثَر إِثْمًا مِنْ الْحِنْث، وَلَا بُدّ مِنْ تَنْزِيله عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْحِنْث لَا مَعْصِيَة فِيهِ. والْمُرَاد أَنَّ الرَّجُل إِذَا حَلَفَ عَلَى شَيْء يَتَعَلَّق بِأَهْلِهِ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ كَانَ أَدْخَلَ فِي الْوِزْرِ وَأَفْضَى إِلَى الْإِثْم مِنْ الْحِنْث؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللهُ عُرْضَة لِيَمِينِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.

وقال علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله: {ولا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ} قال: لا تجعلن عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ فَحَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» (رواه مسلم) (أَعْتَمَ: تأخر).

• فضّ الخصومة بين المتنازعين المتداينين:

عن عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - وَهُوَ فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ: «يَا كَعْبُ»، فَقَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّه. فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ فَقَالَ كَعْب: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «قُمْ فَاقْضِه». (رواه البخاري ومسلم).

معنى تقاضاه طالبه به وأراد قضاءه، سِجْفَ: ستر، والمراد بالشطر النصف. ... وقوله: «قم» خطاب لابن أبي حدرد، وفيه إشارة إلى أنه لا يجتمع الوضيعة والتأجيل.

وفي هذا الحديث جواز المطالبة بالدين في المسجد والشفاعة إلى صاحب الحق والإصلاح بين الخصوم وحسن التوسط بينهم وقبول الشفاعة في غير معصية.

وعن عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - تَقُولُ: سَمِعَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - صَوْتَ خُصُومٍ بِالْبَابِ عَالِيَةٍ أَصْوَاتُهُمَا وَإِذَا أَحَدُهُمَا يَسْتَوْضِعُ الآخَرَ وَيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ وَهُوَ يَقُول: «وَاللهِ لا أَفْعَلُ»، فَخَرَجَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فَقَالَ أَيْنَ الْمُتَأَلِّي عَلَى اللهِ لا يَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ»، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَهُ أَيُّ ذَلِكَ أَحَبَّ». (رواه البخاري ومسلم). (يَسْتَوْضِع الْآخِر وَيَسْتَرْفِقهُ) أَيْ يَطْلُب مِنْهُ أَنْ يَضَع عَنْهُ بَعْض الدَّيْن، وَيَرْفُق بِهِ فِي الِاسْتِيفَاء وَالْمُطَالَبَة.

وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْس بِمِثْلِ هَذَا، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْإلْحَاح وَإِهَانَة النَّفْس أَوْ الْإِيذَاء وَنَحْو ذَلِكَ إِلَّا مِنْ ضَرُورَة.

والْمُتَأَلِّي: الْحَالِف وَفِي هَذَا كَرَاهَة الْحَلِف عَلَى تَرْك الْخَيْر، وَإِنْكَار ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ حَلَفَ لَا يَفْعَل خَيْرًا أَنْ يَحْنَث فَيُكَفِّر عَنْ يَمِينه. وَفِيهِ الشَّفَاعَة إِلَى أَصْحَاب الْحُقُوق، وَقَبُول الشَّفَاعَة فِي الْخَيْر.

• اقتراح ما فيه مصلحة الطّرفين:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ قَالَ أَنْكِحُوا الْغُلامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا». (رواه البخاري).

العقار المراد به هنا الدار (ألكما ولد)؟ المعنى ألكل منكما ولد؟ وفي الحديث: فضل الإصلاح بين المتنازعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>