يقول:«ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى رحلتُ فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة».
٢ - الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره: فكله من الله - سبحانه وتعالى - فاعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
وهذه الصفة من أهم صفات السعداء، إذ لا يمكن أن تحصل السعادة إلا لمن يؤمن بالله، ومن الإيمان بالله الإيمان بقضائه وقدره، والرضا بقسمه، لأن الإنسان في هذه الحياة لا بد أن ينتابه شيء من الهموم والمصائب، فإن لم يؤمن بالقضاء والقدر، هلك. ولنضرب مثلا للإيمان بالقضاء والقدر، وأثره في سعادة الإنسان:
وفي الحكاية الصحيحة الثابتة ـ كما يقول الشيخ أبو إسحق الحويني ـ: أن عروة بن الزبير بن العوام ـ وهو أحد التابعين الكبار ـ - رحمه الله - ورضي عن أبيه ـ رحل إلى الوليد عبد الملك بن مروان، وكان في رجله مرض ودبت إلى رِجْله الآكلة (السرطان)، فلما وصل إلى عبد الملك بن مروان استشرى المرض في رجله، فقال الطبيب له: لا حل إلا أن نقطعها لك، قال: وكيف ذلك؟ قالوا: تشرب خمرًا حتى نستطيع أن نقطعها لك فلا تتألم. فقال: ما كنت لأستعين على دفع بلاء الله بمعصية الله، ولكن دعوني حتى إذا دخلت في الصلاة فاقطعوها.
فلما دخل في الصلاة قطعوها فما أحس بها، وبعد أيام من قطع رِجْله، سقط ولده من على سطح الدار فمات، ـ وكان عنده سبعة أولاد ـ فبلغ ذلك عروة فقال:«اللهم لك الحمد، أخذت واحدًا وأبقيت ستة، وأخذت عضوًا وأبقيت ثلاثة، اللهم لئن ابتليت فلقد عافيت، ولئن أخذت فلقد أبقيت».
قال الشيخ أبو إسحق الحويني:«لولا أن أسانيد هذه القصة صحيحة لما كاد المرء يصدقها!».