قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ» (حسن رواه الترمذي).
(اِسْتَحْيُوا مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) أَيْ حَيَاءً ثَابِتًا لَازِمًا صَادِقًا، وَقِيلَ أَيْ اِتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ. (قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي) لَمْ يَقُولُوا حَقَّ الْحَيَاءِ اِعْتِرَافًا بِالْعَجْزِ عَنْهُ.
(وَالْحَمْدُ للهِ) أَيْ عَلَى تَوْفِيقِنَا بِهِ.
(قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ) أَيْ لَيْسَ حَقَّ الْحَيَاءِ مَا تَحْسَبُونَهُ بَلْ أَنْ يَحْفَظَ جَمِيعَ جَوَارِحِهِ عَمَّا لَا يَرْضَى.
(وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ) أَيْ عَنْ اِسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللهِ بِأَنْ لَا تَسْجُدَ لِغَيْرِهِ وَلَا تُصَلِّيَ لِلرِّيَاءِ وَلَا تَخْضَعَ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ وَلَا تَرْفَعَهُ تَكَبُّرًا.
(وَمَا وَعَى) أَيْ جَمَعَهُ الرَّأْسُ مِنْ اللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ عَمَّا لَا يَحِلُّ اِسْتِعْمَالُهُ.
(وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ) أَيْ عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ.
(وَمَا حَوَى) أَيْ مَا اِتَّصَلَ اِجْتِمَاعُهُ بِهِ مِنْ الْفَرْجِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَلْبِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَّصِلَةٌ بِالْجَوْفِ، وَحِفْظُهَا بِأَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهَا فِي الْمَعَاصِي بَلْ فِي مَرْضَاةِ اللهِ تَعَالَى.
(وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى) يَعْنِي تَتَذَكَّرَ صَيْرُورَتَك فِي الْقَبْرِ عِظَامًا بِالِيَةِ.
(وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا) فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ حَتَّى لِلْأَقْوِيَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا ضَرَّتَانِ فَمَتَى أَرْضَيْت إِحْدَاهُمَا أَغْضَبْت الْأُخْرَى.
(فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ.
وقد يتولَّدُ من الله الحياءُ من مطالعة نِعمه ورؤية التقصير في شكرها، فإذا سُلِبَ العبدُ الحياءَ المكتسب والغريزي لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح، والأخلاق الدنيئة، فصار كأنَّه لا إيمانَ له.