للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• أمرٌ عظيم جدًا:

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ» وذلك لأنَّ دخولَ الجنَّة والنَّجاةَ من النار أمرٌ عظيم جدًا، ولأجله أنزل الله الكتب، وأرسلَ الرُّسلَ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لِرَجُلٍ: «مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟».

قَالَ: «أَتَشَهَّدُ ثُمَّ أَسْأَلُ الله الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ النَّارِ، أَمَا وَالله مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ». فَقَالَ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ» (صحيح رواه ابن ماجه).

(مَا أَحْسَن دَنْدَنَتك) أَيْ كَلَامك الْخَفِيّ. يشير إلى كثرة دعائهما واجتهادهما في الدعاء.

(حَوْلهَا) وَفِي بَعْض النُّسَخ (حَوْلهمَا) بِالتَّثْنِيَةِ فَعَلَى الْأَوَّل مَعْنَاهُ حَوْل مَقَالَتك أَيْ كَلَامنَا قَرِيب مِنْ كَلَامك، وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ حَوْل الْجَنَّة وَالنَّار أَيْ كَلَامنَا أَيْضًا لِطَلَبِ الْجَنَّة وَالتَّعَوُّذ مِنْ النَّار.

• التَّوفيقَ كُلَّه بيد الله - عز وجل -:

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ» إشارةٌ إلى أنَّ التَّوفيقَ كُلَّه بيد الله - عز وجل -، فمن يسَّرَ الله عليه الهدى اهتدى، ومن لم يُيسره عليه، لم يتيسَّر له ذلك، قالَ الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (الليل:٥ - ١٠).

وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنْ الْجَنَّةِ».

قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ «أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ».

قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ»، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} الْآيَةَ» (رواه البخاري ومسلم).

وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يقولُ في دعائه: «واهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي» (صحيح رواه أبو داود والترمذي).

وأخبر الله - عز وجل - عن نبيه موسى؛ أنَّه قال في دعائه: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} (طه:٢٥ - ٢٦).

وكان ابنُ عمر يدعو: «اللهمَّ يسرني لليُسرى، وجنِبني العُسرى».

• الطريق إلى الجنَّة:

قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وتَصُومُ رَمضَانَ، وتَحُجُّ البَيتَ» دل على أن دخول الجنَّة مترتب على الإتيان بأركان الإسلام الخمسة، وهي: التَّوحيدُ، والصَّلاةُ، والزَّكاةُ، والصِّيام، والحجُّ.

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «ألا أدُلُّكَ عَلَى أبْوَابِ الخَيْرِ» لمَّا رتَّبَ دخولَ الجنَّة على واجبات الإسلام، دلَّه بعد ذلك على أبواب الخيرِ مِنَ النَّوافِل، فإنَّ أفضلَ أولياءِ الله هُمُ المقرَّبون، الذين يتقرَّبون إليه بالنَّوافل بعدَ أداءِ الفرائض.

• الصومُ جُنَّة:

قوله: «الصَّوْمُ جُنَّة» هذا الكلام ثابتٌ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - من وجُوهٍ كثيرةٍ، وخرَّجاه في «الصحيحين» ورواه الإمام أحمد بزيادة، وهي: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ وحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ» (صحيح)، ورواه عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، كَجُنَّة أحَدِكُمْ مِنَ القِتَالِ» (إسناده صحيح).

وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ؛ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» (رواه البخاري ومسلم)

وقال بعضُ السَّلف: الغيبةُ تخرقُ الصِّيامَ، والاستغفارُ يرقَعُهُ، فمن استطاع منكم أنْ لا يأتي بصوم مخرَّقٍ فليفعل.

وقال ابنُ المنكدر: الصائمُ إذا اغتاب خرق، وإذا استغفر رقع.

فالجُنَّة: هي ما يستجنُّ بها العبد، كالمجنِّ الذي يقيه عندَ القتالِ من الضَّرب، فكذلك الصيام يقي صاحبه منَ المعاصي في الدُّنيا، كما قال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:١٨٣)، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>