للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان له جُنَّةٌ من المعاصي، كان له في الآخرة جُنَّةٌ من النار، وإنْ لم يكن له جُنَّةٌ في الدنيا من المعاصي، لم يكن له جُنَّةٌ في الآخرة من النار.

وقال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ اللهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ.

فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ وَتَعَدَّوْا عَلَى الشُّرَفِ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ فَقَالَ: «هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ»، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ.

وَإِنَّ اللهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا؛ فَإِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ.

وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.

وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ فَقَالَ: «أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ»، فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ.

وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ كَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنْ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللهِ» (صحيح رواه الترمذي والنسائي).

• الصدقةُ تُطفئُ الخطيئةَ:

قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «والصَّدَقةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ»:

قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: «صَنَائِعُ المَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وصَدَقَةُ السِّرِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي العُمْرِ». (حسن رواه الطبراني).

ورُوي عن عليِّ بنِ الحسين - رضي الله عنه -:أنَّه كان يحملُ الخبزَ على ظهرهِ باللَّيل يتَّبِعُ به المساكين في ظُلمة الليل، ويقول: إنَّ الصَّدقة في ظلامِ اللَّيلِ تُطفئُ غضبَ الرَّبِّ - عز وجل -.

وقد قال الله - عز وجل -: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} (البقرة:٢٧١)، فدلَّ على أنَّ الصدقة يُكفَّر بها من السيئات: إما مطلقًا، أو صدقة السر.

• الصلاة في جوف الليل:

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ»، يعني: أنَّها تُطفئ الخطيئة أيضًا كالصَّدقة، وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال: «أفضلُ الصَّلاةِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ قِيَامُ اللّيْلِ».

وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُمُ الصُبْحَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُمُ الظُهْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُمُ العَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُمُ فَإِذَا صَلّيْتُمُ المَغْرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحْتَرِقُونَ تَحْتَرِقُونَ فَإِذَا صَلّيْتُمُ العِشَاءَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَنَامُونَ فَلَا يُكْتَبُ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَسْتَيْقِظُوا» (رواه الطبراني وإسناده حسن).

وكذلك قيامُ الليل يُكفر الخطايا؛ لأنَّه أفضلُ نوافل الصلاة.

عَنْ بِلَالٍ بْنِ رَبَاحٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ، وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنْ الْجَسَدِ» (صحيح رواه الترمذي).

(عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ) أَيْ التَّهَجُّدِ فِيهِ (فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ) أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ. (وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللهِ) أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى (وَمَنْهَاةٌ) أَيْ نَاهِيَةٌ (عَنْ الْإِثْمِ) أَيْ عَنْ اِرْتِكَابِهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>