للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

* وقال - عز وجل -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (آل عمران:١٨٠).

* وبيَّن حبيبنا - صلى الله عليه وآله وسلم - معنى هذه الآية؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مَنْ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ ـ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ ـ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ» ثُمَّ تَلَا {لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةَ». (رواه البخاري).

(مُثَّلَ لَهُ) أَيْ صَوَّرَ. قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: خَصَّ الْجَنْب وَالْجَبِين وَالظَّهْر لِأَنَّهُ جَمَعَ الْمَال، وَلَمْ يَصْرِفهُ فِي حَقّه، لِتَحْصِيلِ الْجَاه وَالتَّنَعُّم بِالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِس، أَوْ لِأَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْ الْفَقِير وَوَلَّاهُ ظَهْره، أَوْ لِأَنَّهَا أَشْرَف الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاء الرَّئِيسَة. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِهَا الْجِهَات الْأَرْبَع الَّتِي هِيَ مُقَدَّم الْبَدَن وَمُؤَخَّره وَجَنْبَاهُ، نَسْأَل اللهَ السَّلَامَة.

وَالْمُرَاد بِالشُّجَاعِ: الْحَيَّة الذَّكَر، وَقِيلَ الَّذِي يَقُوم عَلَى ذَنَبه وَيُوَاثِب الْفَارِس. والْأَقْرَع مِنْ الْحَيَّات الَّذِي اِبْيَضَّ رَأْسه مِنْ السُّمّ.

(لَهُ زَبِيبَتَانِ) هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْق عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ: نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ، وَقِيلَ: لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسه مِثْل الْقَرْنَيْنِ، وَقِيلَ: نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ.

(يُطَوَّقهُ) أَيْ يَصِير لَهُ ذَلِكَ الثُّعْبَان طَوْقًا.

(ثُمَّ يَأْخُذ بِلِهْزِمَتَيْهِ) فَاعِل يَأْخُذ هُوَ الشُّجَاع، وَالْمَأْخُوذ يَد صَاحِب الْمَال كَمَا ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يَكُونُ كَنْزُ أَحَدِكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صَاحِبُهُ، فَيَطْلُبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ» قَالَ: «وَاللهِ لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ». (رواه البخاري).

قَوْله: (بِلِهْزِمَتَيْهِ): الشِّدْقَيْنِ، وقيل: هُمَا الْعَظْمَانِ الْفَائِتَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْت الْأُذُنَيْنِ. وقيل: هُمَا لَحْم الْخَدَّيْنِ الَّذِي يَتَحَرَّك إِذَا أَكَلَ الْإِنْسَان.

(ثُمَّ يَقُول: أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ) فَائِدَة هَذَا الْقَوْل الْحَسْرَة وَالزِّيَادَة فِي التَّعْذِيب حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم، وَفِيهِ نَوْع مِنْ التَّهَكُّم.

* والرسول الحبيب - صلى الله عليه وآله وسلم - بيَّن مكانة الزكاة في الإسلام فعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (رواه البخاري ومسلم)

* وكان الصحابة يبايعونه - صلى الله عليه وآله وسلم - عليها؛ فعن جَرِير - رضي الله عنه - قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» (رواه البخاري)

* وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ: لَا يَجْعَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ، وَلَا يَتَوَلَّى اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللهُ - عز وجل - مَعَهُمْ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ: لَا يَسْتُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (صحيح رواه الإمام أحمد).

* وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فَقَالَ:

«يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ـ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ـ:

لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا. وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللهُ إِلَّا جَعَلَ اللهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» (حسن رواه ابن ماجه).

(الْفَاحِشَةُ) أي الزنا. (الْأَوْجَاعُ) أي الأمراض. (السِّنِين) أي الفقر. (الْقَطْرَ) أي المطر. (بَأْسَهُمْ) أي حربهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>