للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(يُغْفَرَ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ مِنْ دَمِهِ) أَيْ تُمْحَى ذُنُوبُهُ فِي أَوَّلِ صَبَّةٍ مِنْ دَمِهِ.

(وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) أَيْ يُحْفَظُ وَيُؤَمَّنُ.

قَالَ الْقَارِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ «يُرَى مَقْعَدَهُ» عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ يُغْفَرُ لَهُ لِئَلَّا تَزِيدَ الْخِصَالُ عَلَى سِتٍّ، وَلِئَلَّا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ: «وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ».

(وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ) أَيْ تَاجٌ هُوَ سَبَبُ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ.

وَالتَّاجُ: مَا يُصَاغُ لِلْمُلُوكِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ.

(الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ التَّاجِ. وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ مِنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا.

(وَيُزَوَّجُ) أَيْ يُعْطَى بِطَرِيقِ الزَّوْجِيَّةِ (اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ) أَيْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ، وَاحِدَتُهَا حَوْرَاءُ وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضِ الْعَيْنِ الشَّدِيدَةُ سَوَادِهَا، وَالْعِينُ جَمْعُ عَيْنَاءَ وَهِيَ الْوَاسِعَةُ الْعَيْنِ (وَيُشَفَّعُ) أَيْ يُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ.

يا بَنِي قومِنا سراعًا إلى اللهِ ... فقدْ فازَ مَن يموتُ شهيدَا

سارعوا سارعوا إلى جنة قد ... فاز من جاءها شهيدًا سعيدَا

والبِسوا حُلّة من الكفنِ الغالي ... وبيعوا الحياة بيعًا مجيدَا

• رمضان شهر الجهاد:

الصيام مصدر قوة روحية تدفع الى العمل واعتقاد المؤمن أنه يؤدي عبادة فرضها الخالق مما يمده بالروح الفتى والعزم القوى؛ لذلك كانت شهور رمضان أيام نصر حربي وفوز نضالى ففي مواسم هذا الشهر الكريم تحققت انتصارات اسلامية رائعة تبتدئ بمعركة بدر مرورًا بمعارك كثيرة أشهرها فتح مكة والأندلس وحطين وعين جالوت حتى جاء نصر الله وتم العبور في شهر رمضان.

لذلك كان هذا الشهر يحفل على مد العصور بكبريات الوقائع الحربية الحاسمة في تاريخ الإسلام؛ ومن يتصفح كتب التاريخ، أو يقلب أوراقه تبرز أمامه صورة مشرقة لشهر عظيم، صورة غابت عن الأعين لفترة زادت عن المئة عام وأصبح من الصعب على العقل أن يتصورها بعد أن بعدت الشقة بينه وبين مثيلاتها منذ فترة طويلة.

تلك هي الصورة المشرقة التي اتسمت بالعزة والكرامة والسؤدد والبسالة والانتصارات والفتوحات والتقوى والمغفرة. فالأمر لا يحتاج من الناظر إلى التدقيق والإمعان في كتب التاريخ حتى يصل إلى هذه الصورة المشرقة بل يكفيه التصفح السريع أو النظرة العاجلة؛ ليدرك ما في هذا الشهر من الأحداث والبطولات التي نعلمها والتي لا نعلمها والتي تتسم بأنها أحداث عظيمة على قدر فضل شهر رمضان، فاذا قلنا ان رمضان شهر الجهاد فهو قول يحمل مصداقه التاريخي دون جدال.

ولكن رمضاننا هذه الأيام لا نصيب له مما فات لأن سلطان الإسلام لم يعد موجودًا، فهو يأتي والأمة تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جرح فلسطين الغائر وذاك جرح الشيشان نازف، وجرح ثالث في كشمير، ورابع في جنوب الفلبين، وخامس في بورما ... وما يبرح أن ينزف جرح جديد حتى يلحق به جرح أخر.

ففي رمضان كان غزو أفغانستان من قبل أمريكا ولما ظهرت بعض الأصوات لتقول لأمريكا بأن رمضان قادم ويجب أن نراعي حرمته فلا نغزو المسلمين، قال بوش متبجحًا إن الدولة الإسلامية كانت تخوض المعارك في شهر رمضان ـ وصدق وهو كذوب ـ ثم يأتي بعده رمضان آخر ليشهد شلالًا من الدماء في بلد آخر بلد الرافدين، لتتكرر نفس المشاهد ولكن مع تغير الوجوه، قتل وتدمير وتفتيت لأجساد الأطفال والنساء والشيوخ؛ ليرى فيها أنواع القنابل العنقودية والتفريغية والذكية والغبية والتقليدية وأسماء ما سمعنا بها من قبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>