للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج ويدُه على أم رأسه وهو يقول: «واغوثا بالله وانقطاع رجائه وانفصام ظهري، ليتني لم تلدني أمي، وإذ ولدتني لم أشهد من رسول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا اليوم»، ثم قال: «يا أبا بكر، ألا إن رسول اللهِ أمرك أن تصلي بالناس»، فتقدم أبو بكر سدد خطاكم للناس، وكان رجلًا رقيقًا، فلما نظر إلى خلوة المكان من رسول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يتمالك أن خَرّ مغشيًا عليه، وصاح المسلمون بالبكاء، فسمع رسول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - ضجيج الناس، فقال: «ما هذه الضجة».

قالوا: «ضجة المسلمين لفَقْدِك يا رسول الله»، فدعا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علي بن أبي طالب وابن عباس - رضي الله عنهما -، فاتكأ عليهما، فخرج إلى المسجد فصلى بالناس ركعتين خفيفتين، ثم أقبل بوجهه المليح عليهم فقال: «يا معشر المسلمين أستودعكم الله وأنتم في رجاء الله وأمانه، والله خليفتي عليكم، معاشرَ المسلمين عليكم باتقاء الله وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا». فلما كان يوم الاثنين اشتد به الأمر، وأوصى الله - عز وجل - إلى ملك الموت - عليه السلام - أن اهبط إلى حبيبي وصفِيِّي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحسن صورة، وارفق به في قبض روحه، فهبط ملك الموت - عليه السلام -، فوقف بالباب شَبَهُ أعرابي، ثم قال: «السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة أأدْخُل؟»، فقالت عائشة - رضي الله عنها - لفاطمة: «أجيبي الرجل؟»، فقالت فاطمة: «آجرك الله في ممشاك يا عبد الله، إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مشغول بنفسه»، فدعا الثانية، فقالت عائشة: «يا فاطمة أجيبي الرجل»، فقالت فاطمة: «آجرك الله في ممشاك عبد الله، إن رسول الله مشغول بنفسه»، ثم دعا الثالثة: «السلام عليكم يا أهل النبوة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة أأدْخُل؟ فلابد من الدخول»، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صوت ملك الموت - عليه السلام - فقال: «يا فاطمة من بالباب؟». فقالت: «يا رسول الله، إن رجلًا بالباب يستأذن في الدخول فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتًا اقشعر فيه جلدي وارتعدت فرائصي»، فقال لها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «يا فاطمة أتدرين مَن بالباب؟ هذا هازم اللذات ومفرقُ الجماعات، هذا مُرمل الأزواج ومُوتِم الأولاد،

<<  <  ج: ص:  >  >>