للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بركة الرزق:

وإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه، وكتب له الخير فيما أوْلاه من النعم: البركة في الأموال، والبركة في العيال، والبركة في الشؤون والأحوال، فإذا أراد الله بالعبد خيرًا بارك له في رزقه وقوته، إنها البركة التي يصير بها القليل كثيرًا، ويصير حال العبد إلى فضل ونعمة وزيادة وخير، فالعبرة كل العبرة بالبركة , فكم من قليل كثَّره الله، وكم من صغير كبَّره الله , وإذا أراد الله أن يبارك للعبد في ماله هيأ له الأسباب وفتح في وجهه الأبواب.

والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسان ابتغاءَ مرضاته، ومن قنِع بربحٍ حلال قليل وتحرّى الصدقَ في معاملاته ظهرتِ البركة في ماله وفي أولاده.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ سدد خطاكم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ، مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» (رواه البخاري). “ فَنِعْمَ الْمَعُونَة “ فِيهِ حَذْف تَقْدِيره إِنْ عَمِلَ فِيهِ بِالْحَقِّ. وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى عَكْسه، وَهُوَ بِئْسَ الرَّفِيق هُوَ لِمَنْ عَمِلَ فِيهِ بِغَيْرِ الْحَقّ.

وَقَوْله: «كَاَلَّذِي يَأْكُل وَلَا يَشْبَع» ذُكِرَ فِي مُقَابَلَة: «فَنِعْمَ الْمَعُونَة هُوَ».

وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَشْبِيه الْمَال بِالصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُؤْمَن أَنْ يَنْقَلِب عَدُوًّا، فَإِنَّ الْمَال مِنْ شَأْنه أَنْ يُحْرَز وَيُشَدّ وَثَاقه حُبًّا لَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي مَنْعه مِنْ مُسْتَحِقّه فَيَكُون سَبَبًا لِعِقَابِ مُقْتَنِيه. وفيه تَشْبِيه آخِذه بِغَيْرِ حَقّ بِاَلَّذِي يَأْكُل وَلَا يَشْبَع.

وَمَثَل الْمَال مَثَل الْحَيَّة الَّتِي فِيهَا تِرْيَاق نَافِع وَسُمّ نَاقِع، فَإِنْ أَصَابَهَا الْعَارِف الَّذِي يَحْتَرِز عَنْ شَرّهَا وَيَعْرِف اِسْتِخْرَاج تِرْيَاقهَا كَانَ نِعْمَة، وَإِنْ أَصَابَهَا الْغَبِيّ فَقَدْ لَقِيَ الْبَلَاء الْمُهْلِك. وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْمُكْتَسِب لِلْمَالِ مِنْ غَيْر حِلّه لَا يُبَارَك لَهُ فِيهِ لِتَشْبِيهِهِ بِاَلَّذِي يَأْكُل وَلَا يَشْبَع.

<<  <  ج: ص:  >  >>