للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا». فَيَقُولُونَ: «رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ». فَيَقُولُ: «وَلَهُ غَفَرْتُ؛ هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ». (رواه البخاري ومسلم).

(فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) أَيْ يَدْنُونَ بِأَجْنِحَتِهِمْ حَوْل الذَّاكِرِينَ. (هُمْ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ) فِي هَذِهِ الْعِبَارَة مُبَالَغَة فِي نَفْي الشَّقَاء عَنْ جَلِيس الذَّاكِرِينَ، فَلَوْ قِيلَ: «لَسَعِدَ بِهِمْ جَلِيسهمْ» لَكَانَ ذَلِكَ فِي غَايَة الْفَضْل، لَكِنَّ التَّصْرِيح بِنَفْيِ الشَّقَاء أَبْلَغ فِي حُصُول الْمَقْصُود.

وَفِي الْحَدِيث فَضْل مَجَالِس الذِّكْر وَالذَّاكِرِينَ، وَفَضْل الِاجْتِمَاع عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ جَلِيسهمْ يَنْدَرِج مَعَهُمْ فِي جَمِيع مَا يَتَفَضَّل الله تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكهُمْ فِي أَصْل الذِّكْر.

وَفِيهِ مَحَبَّة الْمَلَائِكَة بَنِي آدَم وَاعْتِنَاؤُهُمْ بِهِمْ، وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَال قَدْ يَصْدُر مِنْ السَّائِل وَهُوَ أَعْلَم بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنْ الْمَسْئُول لِإِظْهَارِ الْعِنَايَة بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالتَّنْوِيَة بِقَدْرِهِ وَالْإِعْلَان بِشَرَفِ مَنْزِلَته.

وَفِيهِ بَيَان كَذِب مَنْ اِدَّعَى مِنْ الزَّنَادِقَة أَنَّهُ يَرَى الله تَعَالَى جَهْرًا فِي دَار الدُّنْيَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح مُسْلِم أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ».

تنبيه: ليس في هذا الحديث ولا في غيره أن مجالس الذكر هذه فيها أحد الأشخاص يذكر الله وبقية المجلس يرددون وراءه، وليس فيه أنهم يرددون بصوت جماعي.

فهذه الحديث لا يدل على الذكر الجماعي واستحبابه، وإنما يدل على استحباب الاجتماع على ذكر الله، وهناك فرق كبير بين هذا وذاك فالاجتماع على ذكر الله مستحب مندوب إليه بمقتضى الأحاديث الواردة في فضله، ولكن على الوجه المشروع.

<<  <  ج: ص:  >  >>