ونقل الإمام النووي في شرحه لحديث: (الْعَيْن حَقّ) من (صحيح مسلم) عن المازري قوله: «وَصِفَة وُضُوء الْعَائِن عِنْد الْعُلَمَاء أَنْ يُؤْتَى بِقَدَحِ مَاء، وَلَا يُوضَع الْقَدَح فِي الْأَرْض، فَيَأْخُذ مِنْهُ غَرْفَة فَيَتَمَضْمَض بِهَا، ثُمَّ يَمُجّهَا فِي الْقَدَح، ثُمَّ يَأْخُذ مِنْهُ مَاء يَغْسِل وَجْهه، ثُمَّ يَأْخُذ بِشِمَالِهِ مَاءً يَغْسِل بِهِ كَفّه الْيُمْنَى، ثُمَّ بِيَمِينِهِ مَاء يَغْسِل بِهِ مِرْفَقه الْأَيْسَر، وَلَا يَغْسِل مَا بَيْن الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يَغْسِل قَدَمَهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ الْيُسْرَى عَلَى الصِّفَة الْمُتَقَدِّمَة، وَكُلّ ذَلِكَ فِي الْقَدَح، ثُمَّ دَاخِلَة إِزَاره، وَهُوَ الطَّرَف الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حِقْوه الْأَيْمَن. وَقَدْ ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ دَاخِلَة الْإِزَار كِنَايَة عَنْ الْفَرْج، وَجُمْهُور الْعُلَمَاء عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِذَا اِسْتَكْمَلَ هَذَا صَبَّهُ مِنْ خَلْفه عَلَى رَأْسه.
وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُمْكِن تَعْلِيله وَمَعْرِفَة وَجْهه، وَلَيْسَ فِي قُوَّة الْعَقْل الِاطِّلَاع عَلَى أَسْرَار جَمِيع الْمَعْلُومَات، فَلَا يُدْفَع هَذَا بِأَلَّا يُعْقَل مَعْنَاهُ.
قَالَ: وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْعَائِن هَلْ يُجْبَر عَلَى الْوُضُوء لِلْمَعِينِ أَمْ لَا؟ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي رِوَايَة مُسْلِم: «وَإِذَا اُسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا» وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأ أَنَّهُ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ، وَالْأَمْر لِلْوُجُوبِ.
قَالَ الْمَازِرِيّ: «وَالصَّحِيح عِنْدِي الْوُجُوب، وَيَبْعُد الْخِلَاف فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِين الْهَلَاك، وَكَانَ وُضُوء الْعَائِن مِمَّا جَرَتْ الْعَادَة بِالْبُرْءِ بِهِ، أَوْ كَانَ الشَّرْع أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا، وَلَمْ يَكُنْ زَوَال الْهَلَاك إِلَّا بِوُضُوءِ الْعَائِن فَإِنَّهُ يَصِير مِنْ بَاب مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاء نَفْس مُشْرِفَة عَلَى الْهَلَاك، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَر عَلَى بَذْل الطَّعَام لِلْمُضْطَرِّ، فَهَذَا أَوْلَى، وَبِهَذَا التَّقْرِير يَرْتَفِع الْخِلَاف فِيهِ». هَذَا آخِر كَلَام الْمَازِرِيّ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ ذَكَرَ قَوْل الْمَازِرِيّ الَّذِي حَكَيْته: «بَقِيَ مِنْ تَفْسِير هَذَا الْغُسْل عَلَى قَوْل الْجُمْهُور، وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الزُّهْرِيّ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاء يَصِفُونَهُ، وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَمَضَى بِهِ الْعَمَل أَنَّ غُسْل الْعَائِن وَجْهه إِنَّمَا هُوَ صَبّه، وَأَخْذه بِيَدِهِ الْيُمْنَى، وَكَذَلِكَ بَاقِي أَعْضَائِهِ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ الْوُضُوء فِي الْقَدَح، لَيْسَ عَلَى صِفَة غَسْل الْأَعْضَاء فِي الْوُضُوء وَغَيْره، وَكَذَلِكَ غَسْل دَاخِلَة الْإِزَار إِنَّمَا هُوَ إِدْخَاله
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute