قَوْلُهُمْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟». قَالَ: «لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ»: هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَلَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، ومعنى: (اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ) أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ، ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ، وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ، وَكَذَا الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِي ذَلِكَ الْيَوْمُ، وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا.
وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمُعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ أَنْ يُقَدَّرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذُكِر، وَاللهُ أَعْلَمُ.
(فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلُ مَا كَانَتْ ذُرًّا وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدُّهُ خَوَاصِرَ) أَمَّا تَرُوحُ فَمَعْنَاهُ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ، وَالسَّارِحَةُ هِيَ الْمَاشِيَةُ الَّتِي تَسْرَحُ أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى الْمَرْعَى وَأَمَّا الذُّرَى - بضم الذال - فهى الأعالى والأسنمة جَمْعُ ذُرْوَةِ - بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا - (وَأَسْبَغَهُ) أَيْ أَطْوَلَهُ لِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَكَذَا أَمَدَّهُ خَوَاصِرَ لِكَثْرَةِ امْتِلَائِهَا مِنَ الشِّبَعِ.
(ثُمَّ يَأْتِى الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَىْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (مُمْحِلِينَ) مُجْدِبِينَ مقحطين. أَي أَصَابَهُم الْمحل وَهُوَ الْقَحْط.
(وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: «أَخْرِجِى كُنُوزَكِ». الْخَرِبَةِ)، أَيِ: الْأَرْضِ الْخَرَابِ.
(فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبَ النَّحْلِ) هِيَ ذُكُورُ النَّحْلِ، وقيل: الْمُرَادُ جَمَاعَةُ النَّحْلِ لا ذُكُورها خَاصَّةً، لَكِنَّهُ كَنَّى عَنِ الْجَمَاعَةِ بِالْيَعْسُوبِ وَهُوَ أَمِيرُهَا لِأَنَّهُ مَتَى طَارَ تَبِعَتْهُ جَمَاعَتُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute