للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي: نسهل عليه أمره، ونجعله مُيَسَّرًا له كل خير، مُيَسَّرًا له ترك كل شر، لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له ذلك.

{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ} بما أمر به، فترك الإنفاق الواجب والمستحب، ولم تسمح نفسه بأداء ما وجب لله، {وَاسْتَغْنَى} عن الله، فترك عبوديته جانبًا، ولم ير نفسه مفتقرة غاية الافتقار إلى ربها، الذي لا نجاة لها ولا فوز ولا فلاح، إلا بأن يكون هو محبوبها ومعبودها، الذي تقصده وتتوجه إليه.

{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي: بما أوجب الله على العباد التصديق به من العقائد الحسنة.

{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} أي: للحالة العسرة، والخصال الذميمة، بأن يكون ميسرًا للشر أينما كان، ومقيضًا له أفعال المعاصي.

{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الذي أطغاه واستغنى به، وبخل به إذا هلك ومات، فإنه لا يصحبه إلا عمله الصالح. وأما ماله الذي لم يخرج منه الواجب فإنه يكون وبالا عليه، إذ لم يقدم منه لآخرته شيئًا.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (رواه البخاري ومسلم).

(خَلَفًا) أَيْ: عِوَضًا. (أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) التَّعْبِير بِالْعَطِيَّةِ فِي هَذِهِ لِلْمُشَاكَلَةِ، لِأَنَّ التَّلَفَ لَيْسَ بِعَطِيَّة. ودُعَاء الْمَلَكِ بِالْخَلَفِ يَشْمَلُ الدُّنْيَا والْآخِرَةِ. وَالدُّعَاءُ بِالتَّلَفِ يَحْتَمِلُ تَلَفَ ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ أَوْ تَلَفَ نَفْسِ صاحِبِ الْمَالِ، وَالْمُرَاد بِهِ فَوَات أَعْمَالِ الْبِرِّ بِالتَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا. والْإِنْفَاقُ الْمَمْدُوحُ مَا كَانَ فِي الطَّاعَاتِ وَعَلَى الْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالتَّطَوُّعَاتِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَات وَالْمَنْدُوبَات، لَكِنَّ الْمُمْسِكَ عَنْ الْمَنْدُوبَاتِ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْبُخْل الْمَذْمُوم بِحَيْثُ لَا تَطِيبُ نَفْسه بِإِخْرَاج الْحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>