للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم يا عبد الله أن هذا الباب لو أغلقه الله عليك ثم فتح لك كل أبواب الدنيا من مال وولد وجاه وسلطان وصحة، فما هو بنافعك بشيء إنما يكون معها الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء.

إن من أسباب قلة البركات ونزعها تعلق الناس بالمال والدنيا، وغفلتهم عن المآل والأخرى، حتى لقد أصبح كثير منهم يوالي في المال ويعادي فيه، ويحب له ويبغض من أجله، ويرضى إن أعطِي ويسخط إن مُنع. من أين ينتظر البركة مَن قد أصبح عبدًا للمال؟! من أين تأتيه البركة وقد أصبح المال محركه وهو الذي يسكِّنُه، وهو الذي يرضيه ويسخطه؟! يا لها من تعاسة ما أشدها على الأفراد والمجتمعات! ويا لها من انتكاسة ما أقوى أثرها على القلوب والنفوس!

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الْخَمِيصةِ؛ إِنْ أعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ». (رواه البخاري).

(عَبْد الدِّينَار) أَيْ طَالِبه الْحَرِيص عَلَى جَمْعه الْقَائِم عَلَى حِفْظه، فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ خَادِمه وَعَبْده. وخُص الْعَبْد بِالذِّكْرِ لِيُؤْذَن بِانْغِمَاسِهِ فِي مَحَبَّة الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا كَالْأَسِيرِ الَّذِي لَا يَجِد خَلَاصًا، وَلَمْ يَقُلْ مَالِك الدِّينَار وَلَا جَامِع الدِّينَار لِأَنَّ الْمَذْمُوم مِنْ الْمِلْك وَالْجَمْع الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْر الْحَاجَة.

(وَالْخَمِيصة: الْكِسَاء الْمُرَبَّع).

(تَعِسَ) ضِدُّ سَعِدَ، تَقُولُ تَعِسَ فُلَانٌ: أَيْ شَقِيَ، وَقِيلَ مَعْنَى التَّعَس الْكَبُّ عَلَى الْوَجْهِ، وقيل: التَّعَسُ أَنْ يَعْثُرَ فَلَا يَفِيقُ مِنْ عَثْرَتِهِ، وَقِيلَ التَّعَسُ الشَّرُّ، وَقِيلَ: الْبُعْدُ، وَقِيلَ: الْهَلَاكُ، وَقِيلَ: التَّعَسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَالنَّكَسُ أَنْ يَخِرَّ عَلَى رَأْسِهِ، وَقِيلَ: تَعِسَ: أَخْطَأَ حُجَّتَهُ وَبُغْيَتَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>