للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(خَضِرَة حُلْوَة) شَبَّهَهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَحِرْص النُّفُوس عَلَيْهِ بِالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْمُسْتَلَذَّةِ فَإِنَّ الْأَخْضَرَ مَرْغُوب فِيهِ عَلَى اِنْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ، وَالْحُلْوَ مَرْغُوب فِيهِ عَلَى اِنْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَامِضِ، فَالْإِعْجَاب بِهِمَا إِذَا اِجْتَمَعَا أَشَدُّ.

قَوْله: (بِسَخَاوَةِ نَفْس) أَيْ: بِغَيْرِ شَرَهٍ وَلَا إِلْحَاح أَيْ: مِنْ أَخْذِهِ بِغَيْرِ سُؤَال، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَخْذِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي أَيْ: بِسَخَاوَةِ نَفْسِ الْمُعْطِي أَيْ: اِنْشِرَاحِهِ بِمَا يُعْطِيه.

(كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) أَيْ: الَّذِي يُسَمَّى جُوعُهُ كَذَّابًا لِأَنَّهُ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ وَسَقَم، فَكُلَّمَا أَكَلَ اِزْدَادَ سَقَمًا وَلَمْ يَجِدْ شِبَعًا.

(الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى) بيَّنها قَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي حديث آخر: «الْيَد الْعُلْيَا خَيْر مِنْ الْيَد السُّفْلَى، وَالْيَد الْعُلْيَا الْمُنْفِقَة، وَالسُّفْلَى السَّائِلَة» (رواه البخاري ومسلم). وَالْمُرَاد بِالْعُلُوِّ: عُلُوّ الْفَضْل وَالْمَجْد وَنَيْل الثَّوَاب.

(لَا أَرْزَأُ) أَيْ: لَا أَنْقُص مَالَهُ بِالطَّلَبِ مِنْهُ.

وَإِنَّمَا اِمْتَنَعَ حَكِيم مِنْ أَخْذِ الْعَطَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَعْتَادُ الْأَخْذ فَتَتَجَاوَزُ بِهِ نَفْسه إِلَى مَا لَا يُرِيدُهُ فَفَطَمَهَا عَنْ ذَلِكَ وَتَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ، وَإِنَّمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ عُمَر لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْسُبَهُ أَحَد لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَ الْأَمْرِ إِلَى مَنْعِ حَكِيمٍ مِنْ حَقِّهِ.

وفِي هذا الحَدِيثِ فَوَائِد، مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ الزُّهْد مَعَ الْأَخْذِ، فَإِنَّ سَخَاوَةَ النَّفْس هُوَ زُهْدُهَا، تَقُولُ سَخَتْ بِكَذَا أَيْ: جَادَتْ، وَسَخَتْ عَنْ كَذَا أَيْ: لَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْأَخْذَ مَعَ سَخَاوَةِ النَّفْس يُحَصِّلُ أَجْرَ الزُّهْد وَالْبَرَكَة فِي الرِّزْقِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزُّهْدَ يُحَصلُ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.

وَفِيهِ ضَرْب الْمَثَل لِمَا لَا يَعْقِلُهُ السَّامِعُ مِنْ الْأَمْثِلَةِ، لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ الْبَرَكَة إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَبَيَّنَ بِالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْبَرَكَةَ هِيَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>