للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الْبَرَكَةُ تَنْزِلُ وَسَطَ الطَّعَامِ» يدل على أن الإنسان إذا أكل من أعلاه، أي من الوسط، نُزِعَت البركة من الطعام (١).

وأمَر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بلَعقِ الأصابعِ والصحفة بعد الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، فعَنْ جَابِرٍ سدد خطاكم أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصابِعِ وَالصحْفَةِ وَقَالَ: «إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ» (رواه مسلم).

إن من آداب الأكل أن الإنسان إذا فرغ من أكْله فإنه يلعق الصحفة ويلعق أصابعه، يعني: يلحسها حتى لا يبقى فيها أثر الطعام؛ فقد تكون البركة فيما علق بالأصابع من الطعام.

والنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يأمر أمته بشيء إلا وفيه الخير والبركة.

وَقَوْله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لَا تَدْرُونَ فِي أَيّه الْبَرَكَة» مَعْنَاهُ - وَاللهُ أَعْلَم - أَنَّ الطَّعَام الَّذِي يَحْضُرهُ الْإِنْسَان فِيهِ بَرَكَة وَلَا يَدْرِي أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَة فِيمَا أَكَلَهُ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصابِعه أَوْ فِيمَا بَقِيَ فِي أَسْفَل الْقَصعَة أَوْ فِي اللُّقْمَة السَّاقِطَة، فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظ عَلَى هَذَا كُلّه؛


(١) قال بعض أهل العلم: «إلا إذا كان الطعام أنواعًا وكان نوع منه في الوسط وأراد أن يأخذ منه شيئًا فلا بأس، مثل أن يوضع اللحم في وسط الصحفة فإنه لا بأس أن تأكل من اللحم ولو كان في وسطها؛ لأنه ليس له نظير في جوانبها فلا حرج. فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: «إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الْقَصْعَةِ. قَالَ: «فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ». (رواه البخاري ومسلم). (الدُّبَّاء) هُوَ الْقَرْع، وَهُوَ الْيَقْطِين أَيْضًا.
وَقَدْ حَمَلَ بَعْض الشُّرَّاح فِعْله - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَى التَّفْصِيل بَيْن مَا إِذَا كَانَ الْطعَامُ لَوْنًا وَاحِدًا فَلَا يَتَعَدَّى مَا يَلِيه، أَوْ أَكْثَر مِنْ لَوْن فَيَجُوز ذَلِكَ، فَقَالَ: كَانَ الطَّعَام مُشْتَمِلًا عَلَى مَرَق وَدُبَّاء وَقَدِيد فَكَانَ - صلى الله عليه وآله وسلم - يَأْكُل مِمَّا يُعْجِبهُ وَهُوَ الدُّبَّاء وَيَتْرُك مَا لَا يُعْجِبهُ وَهُوَ الْقَدِيد.
وَقَالَ بعضهم: «إِنَّمَا جَالَتْ يَد رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - فِي الطَّعَام لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَتَكَرَّه ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يَتَقَذَّرهُ، بَلْ كَانُوا يَتَبَارَكُونَ بِرِيقِهِ وَمُمَاسَّة يَده، بَلْ كَانُوا يَتَبَادَرُونَ إِلَى نُخَامَته فَيَتَدَلَّكُونَ بِهَا، فَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُتَقَذَّر مِنْ مُؤَاكِله يَجُوز لَهُ أَنْ تَجُول يَده فِي الصَّحْفَة.

<<  <  ج: ص:  >  >>