عن صُهَيْبٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - قَالَ:«كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ لِلْمَلِكِ: «إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ».
من هذا القول نجد نموذجًا لبطانة السوء التى يهمها أن تبقى الأوضاع التي يستفيدون منها وينعمون فيها، ومثلهم الواضح سحرة فرعون الذين جاءوا إلى المدائن لمواجهة موسى فكان أول ما قالوا:{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ}(الأعراف: ١١٣).
فلم يسألوا عمن سيواجهون وما هي قضيته، فهذا لا يهم ولكن الذي يهم هو الأجر، غير أننا نلحظ أن الساحر في طلبه للغلام لم يكن يريد منفعة شخصية لأن الطلب جاء لما أحس الساحر بِدُنُوِّ أجله. فلم يكن يريد بهذا الطلب شخصه.
وهنا يبرز معنى جديد وهو أن الساحر لما كبر وعاش عمره في تهيئة الواقع للملك مستفيدًا ومنعمًا لم يصبح الأمر بالنسبة له منفعة ذاتية بل أصبح ذاته نفسها التي أحب أن تستمر في شخص الغلام فقد قضى عمره ساحرًا ولابد من امتداد لهذا العمر بعمر جديد. فكان طلبه للغلام.
وهنا مثال آخر:
لما انتهت معركة بدر وجد عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أبا جهل وبه آخر رمق، فوضع رِجْله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال:«هل أخزاك الله يا عدو الله؟»، قال:«وبماذا أخزاني؟ هل فوق رجل قتلتموه؟»، وقال:«فلو غير أكَّار قتلنى»، ثم قال:«أخبرني لمن الدائرة اليوم؟» قال: «لله ورسوله»، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رِجْله على عنقه -: «لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِىَ الغنم»، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة. وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه.