للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فها هو أبو جهل في الرمق الأخير يريد أن يطمئن على الباطل الذي كان يحمله. فتأمل حرص أهل الباطل على نشر باطلهم، فكيف لا يحرص المسلم على نشر الحق الذي يحمله.

الهداية من الله - عز وجل -:

(فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ. فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: «إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ فَقُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ»).

الغلام في لغة العرب: من كان بعد سن الفطام وقبل البلوغ.

وبِقَدَر الله - سبحانه وتعالى - يلتقى الغلام بالراهب في طريقه إلى الساحر بصورة عجيبة فقد قعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، فكان يجلس إلى الراهب راغبًا وإلى الساحر كارهًا.

وتلمح من النص أن الغلام كان على إصرار في القعود إلى الراهب لأنه كان يقعد إليه كلما أتى الساحر، رغم أن الساحر كان يضربه كلما تأخر عنه. وهذا الضرب يمثل بالنسبة للغلام بلاءًا وامتحانًا إذا راعينا أنه غلام صغير.

ولكن الله - سبحانه وتعالى - يريد أن يتربى هذا الغلام - من البداية - تربية حقيقية كاملة ويريد أن يكون ارتباطه بالدعوة متفقًا مع طبيعتها لأن هذا الغلام سيكون منطلقًا أساسيًا لتلك الدعوة، وسيكون دليل الناس إليها.

ولكن الغلام يشتكي إلى الراهب هذا البلاء شكوى الذي يعاني من مشكلة تعوق انطلاقه واستمراره ولم تكن شكوى الذي يقدم المعاذير ليتخلى ويتراجع.

ومن قول الراهب تتبين لنا نظرته إلى الواقع فقد كان يعتبره “ دار حرب “ ولهذا أجاز لغلامه أن يكذب إذ أن الكذب لا يجوز إلا في ثلاث حالات كما أخبر الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لاَ يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلاَّ فِى ثَلاَثٍ: يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ، وَالْكَذِبُ فِى الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ». (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

<<  <  ج: ص:  >  >>