للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ» فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ» فَرَجَفَ بِهِمْ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ.

فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟»، قَالَ: «كَفَانِيهِمُ اللهُ».

فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ» فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ: «اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ»؛ فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟» قَالَ: «كَفَانِيهِمُ اللهُ».

إن الملك لا قضية عنده ولا مبدأ، ولهذا لم يجد وسيلة في مواجهة الموقف إلا التعذيب والتقتيل، ونلاحظ أن الملك كان حريصًا على أن يرتد الراهب والجليس قبل أن يقتلهما؛ لأن ارتدادَهما قَتْلٌ للدعوة، وقتلهما حياة لها؛ ولهذا لم يقتلهما إلا بعد أن عرض عليهما الدعوة ويئس من الاستجابة.

ونلحظ حرص الملك الشديد على ارتداد الغلام حتى لا يسبب قتله حرجًا للملك وبلبلة في عقول الناس؛ لأن الغلام كان معروفًا لهؤلاء الناس بأعماله الطيبة وبحبه للخير. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن الملك أراد أن تخسر الدعوة هذا الداعية، ويتحدث الناس أن الغلام لم يكن على شيء، لأنه ارتد عن دعوته.

ومن ناحية ثالثة فإن الملك كان طامعًا في أن يستفيد من هذا الغلام في تثبيت موقفه بجَعْله ساحرًا له، وداعيًا إلى مُلْكه طالما أن عنده هذه القدرة العجيبة على أن يعالج الناس من أدوائهم.

والذي يؤكد لنا حرص الملك على ارتداد الغلام هو الأسلوب الذي تعامل به معه. فقد أخَّره عن الراهب والجليس حتى يشهد مصرعهما فيتأثر ويضعف، وكذلك فإن الملك اختار وسيلة غير الوسيلة التي قتل بها الراهب والجليس. وسيلة فيها فرصة

<<  <  ج: ص:  >  >>