للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا، فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر وتخفى عليهم السرائر.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.

إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض، وأهلك الحرث والنسل، ونشر الخراب والدمار، وأخرج ما يعتمل في صدره من الحقد والضغن والشر والفساد. إذا فعل هذا كله ثم قيل له: {اتَّقِ اللَّهَ} تذكيرًا له بخشية الله والحياء منه والتحرج من غضبه، أنكر أن يقال له هذا القول، واستكبر أن يُوَجَّهَ إلى التقوى، وتعاظم أن يُؤْخَذ عليه خطأ وأنْ يُوَجَّه إلى صواب. وأخذته العزة لا بالحق ولا بالعدل ولا بالخير ولكن {بِالْإِثْمِ} فاستعز بالإجرام والذنب والخطيئة، ورفع رأسه في وجه الحق الذي يُذَكَّر به، وأمام الله بلا حياء منه، وهو الذي كان يُشْهِد الله على ما في قلبه، ويتظاهر بالخير والبر والإخلاص والتجرد والاستحياء!

هذا الذي عناه القرآن تراه أمامك ماثلا في الأرض الآن وفي كل آن!

وفي مواجهة هذا الاعتزاز بالإثم، واللدد في الخصومة، والقسوة في الفساد، والفجور في الإفساد. {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} حسبه! ففيها الكفاية! جهنم التي وقودها الناس والحجارة. جهنم التي يُكَبْكَبُ فيها الغاوون وجنود إبليس أجمعون. جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة. جهنم التي لا تُبقِي ولا تذر. جهنم التي تكاد تميز من الغيظ! حسبه جهنم {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} ويا للسخرية القاصمة في ذكر {الْمِهَادُ} هنا. ويا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز والنفخة والكبرياء!

الله - سبحانه وتعالى - لا يحب الفساد والمفسدين:

قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)} (القصص: ٧٧). قال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} (البقرة: ٢٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>