للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومَن تَبِعَهُم، فإنهم طغوا في بلاد الله - عز وجل -، وآذَوْا عباد الله، في دينهم ودنياهم، ولهذا قال: {فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ} وهو العمل بالكفر وشُعَبِه من جميع أجناس المعاصي، وسَعَوْا في محاربة الرسل وصَدِّ الناس عن سبيل الله، فلما بلغوا من العتو ما هو موجب لهلاكهم، أرسل الله عليهم من عذابه ذنوبًا وسوط عذاب، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} لمن عصاه يُمْهِلُه قليلًا ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

المفسدون خاسرون:

قال تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)} (البقرة: ٢٧).

{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده، الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يُبَالون بتلك المواثيق، بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه، وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق.

{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} وهذا يدخل فيه أشياء كثيرة، فإن الله أمرنا أن نصل ما بيننا وبينه بالإيمان به والقيام بعبوديته، وما بيننا وبين رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالإيمان به ومحبته وتعزيره والقيام بحقوقه، وما بيننا وبين الوالدين والأقارب والأصحاب وسائر الخلق بالقيام بتلك الحقوق التي أمر الله أن نَصِلَها.

فأما المؤمنون فوصلوا ما أمر الله به أن يوصل من هذه الحقوق، وقاموا بها أتم القيام، وأما الفاسقون، فقطعوها، ونبذوها وراء ظهورهم، معتاضين عنها بالفسق والقطيعة، والعمل بالمعاصي، وهو: الإفساد في الأرض.

فـ {أُولَئِكَ} أي: من هذه صفته {هُمُ الْخَاسِرُونَ} في الدنيا والآخرة، فحصر الخسارة فيهم، لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح؛

<<  <  ج: ص:  >  >>