للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم والشعوب؛ وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صوره. إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحُولُون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع.

الإصلاح لا يكون إلا بطاعة الله ـ واتباع شرعه:

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (١٧٠)} (الأعراف: ١٧٠).

{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ} أي: يتمسكون به علما وعملا فيعلمون ما فيه من الأحكام والأخبار، التي علمها أشرف العلوم. ويعلمون بما فيها من الأوامر التي هي قرة العيون وسرور القلوب، وأفراح الأرواح، وصلاح الدنيا والآخرة.

ومن أعظم ما يجب التمسك به من المأمورات، إقامة الصلاة، ظاهرا وباطنًا، ولهذا خصها الله بالذكر لفضلها، وشرفها، وكونها ميزان الإيمان، وإقامتها داعية لإقامة غيرها من العبادات. ولما كان عملهم كله إصلاحا، قال تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} في أقوالهم وأعمالهم ونياتهم، مصلحين لأنفسهم ولغيرهم.

وهذه الآية وما أشبهها دلت على أن الله بعث رسله - عليهم السلام - بالصلاح لا بالفساد، وبالمنافع لا بالمضار، وأنهم بعثوا بصلاح الدارين، فكل مَن كان أصلح، كان أقرب إلى اتباعهم.

إن الصيغة اللفظية: {يُمَسِّكُونَ} تصور مدلولًا يكاد يُحَسّ ويُرَى. إنها صورة القبض على الكتاب بقوة وجِدّ وصرامة. الصورة التي يحب الله أن يؤخذ بها كتابه وما فيه، في غير تعنت ولا تنطع ولا تزمت، فالجد والقوة والصرامة شيء والتعنت والتنطع والتزمُّت شيءٌ آخر. إن الجد والقوة والصرامة لا تنافي اليسر ولكنها تنافي التميُّع! ولا تنافي سعة الأفق ولكنها تنافي الاستهتار! ولا تنافي مراعاة الواقع ولكنها تنافي أن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>