ثانياً: أيضاً من مبادئ المستشرقين العقلانية والتي اصطبغت بها ثقافات أغلب أجيال المسلمين أنهم يرون أن الإسلام بشريعته وبعقيدته إنما هو نتاج اجتهادات رجال الدين من المسلمين، اجتهدوا حتى صارت مدارس فقهية ومدارس عقدية، وهذه المدارس اجتهادات من البشر، اجتهادات من أحمد بن حنبل ومن البخاري ومن أبي حنيفة ومن الشافعي ومالك، ومن الصحابة الأولين أيضاً يقولون: هذه اجتهادات، هذه نظرة المستشرقين، وأغلب المسلمين المثقفين -مع الأسف- الذين لم يتفقهوا في الدين وقليل منهم المتفقه في الدين، أغلبهم تأثروا بهذه النظرة؛ فلذلك ظهرت في بعض الاتجاهات الإسلامية الآن دعوة وأصبحت تعلن حتى عندنا في هذا البلد: أننا لماذا لا نجدد في أصول الإسلام؟ لماذا لا نجدد في أصول الفكر الإسلامي؟ الإسلام مصدره الكتاب والسنة، وهذه نصوص ونحن رجال والسلف رجال، فمن الممكن بعقولنا أن نضع منهجاً جديداً للدين وللشرع كما وضعه الأولون، من أين فهموا هذا الفهم؟ فهموا أن الصحابة والسلف هم الذين وضعوا الدين، وما علموا أن الدين إنما هو اهتداء واقتداء، وأن التعلق بالكتاب والسنة دون اعتبار لأصول الاستدلال عند السلف ومناهج الاستدلال وأصول العلوم الشرعية، كأصول الحديث، وأصول التفسير، وأصول الفقه أو غيرها إنما هذا هدم للدين؛ لأن الفرق التي ضلّت تقول: إنها متعلقة بالكتاب والسنة، فالآن الرافضة الذين لم يتركوا من الدين شيئاً إلا وهدموه، ومع ذلك تجدهم يرجعون إلى الكتاب والسنة، لكن بأهوائهم، تركوا منهج الصحابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وأمر باتباع سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين هو سبيل أئمة الهدى، وحذّر الذين لا يتّبعون سبيل المؤمنين.
إذاً: العقلانيون الآن تأثروا بهذا الاتجاه الموجود عند المستشرقين، وقالوا: أن الإسلام اجتهادات الصحابة واجتهادات الأئمة، ونحن نرجع إلى الكتاب والسنة وهما موجودان، نقول: هذه دعوى، لكنها شيطانية، هذا من لبس الحق بالباطل، لا عمل للكتاب والسنة بين ظهرانيهم، لكن الدين عمل نُقل، ليس فقط مجرد نصوص، النصوص المجردة لا تنفع بدون الاهتداء والقدوة وأخذ الدين عن الرجال الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدين أغلبه عمل وسلوك، والعمل والسلوك أُخذ عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم من شخص الصحابة، ومن شخص التابعين، ومن أشخاص الأئمة الهدى إلى أن تقوم الساعة؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ومن عاداهم إلى أن تقوم الساعة).