للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تكفير المعين والحكم عليه بالنار]

المقدم: من يأتي ويقول: لا يُحكم على النصراني إذا مات أنه كافر من أهل النار؟ الشيخ: هذا في الحقيقة فيه تلبيس وخلط، فنحن لم نُتعبد بالكلام عن المعين مُطلقاً، لكن حكم الله نقوله، فأي إنسان يموت على غير شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو يموت على ناقض للشهادتين، بما في ذلك اليهودي والنصراني فالأصل فيه أنه كافر خالص من أهل النار مخلّد، نقول: هذا الأصل، لكن عندما نتحدث عن المعين لا نتألى على الله، ولا ندري عن فرد ما من الأفراد على أي حال مات، يبدّل الله من الأحوال ما يشاء، فمن هنا الكلام على المعيّن بعينه بالجزم سواء من أهل القبلة وهو الأخص -يعني من المسلمين- بكفره وبجنة أو نار، أو الجزم على معين حتى لو لم يكن مسلماً، يكون الحديث في هذه المسألة نوعاً من الإثم والبدعة؛ لأننا لم نُتعبد به، لكن بالإجمال نُطلق ما أطلقه الله، ونحكم بما حكم الله به.

إذاً: الأصل فيمن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أنه كافر، وهذا حكم الله وليس من عندنا، والسلف حينما أطلقوا هذه الإطلاقات إنما حكموا بحكم الله، لكن الإشكال في أهل القبلة، فيمن الأصل فيه أنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الذي تكفيره بعينه يحتاط فيه السلف، ولم أر أكثر احتياطاً من سلف الأمة وعلمائها من تكفير المعين، سواء كان فئة أو جماعة أو فرقة أو شخصاً إلى يومنا هذا، إنما الذين يجازفون في التكفير هم بعض أهل الغلو والجهلة من المسلمين، ومن الذين أحياناً قد ينتسبون للسنة والجماعة، وهذه تجاوزات ليست على المنهج.

أيضاً هناك مسألة مهمة: فرق بين الحكم بالكفر والردة على عمل معين وقول واعتقاد، وبين من يفعل ويقول ويعتقد.

أعني: أن كثيراً من الأحكام قال فيها السلف: إنها كفر، مثل: سب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل: سب المؤمنين والاستهزاء بالمؤمنين وبالدين، ومثل: ترك الصلاة، وإن كان ترك الصلاة فيه نصوص قطعية، قد يكون لا يصلح مثالاً للخلاف عليه، مثل أيضاً: الكلام في بعض المعاصي التي هي كفريات، أو حتى ارتكاب كفريات خالصة مثل: مظاهرة المشركين، فمثل هذه الأمور يجب أن نفرِّق بين الفعل وبين الفاعل، فالسلف كانوا في الأمور التي يظهر أنها كفر بوضوح سواء كانت اعتقادات أو أقوالاً أو أفعالاً أو أحوالاً يقولون: إنها كفر إذا تثبّتوا منها وتبين لهم الحال، لكنهم لا يكفّرون المعيّن الفاعل، حتى وإن فعل كفراً صريحاً بواحاً لا يتسرعون بتكفيره حتى تنطبق عليه الشروط وتنتفي الموانع، وهذه معضلة، فبعض الشباب الغيور المتدين اليوم جنحوا إلى التكفير، ووقعوا في مسالك الغلو ومسالك استباحة الدماء والإخلال بالأمن، فهؤلاء أُتوا من حيث أنهم لم يفرقوا بين الحكم على فعل معين أو قول وبين المُعيّن، ولم يتركوا الأمر لأهله كما أمر الله عز وجل وهم العلماء، أولاً: العلماء لا بد أن يتثبتوا من كل قول أو فعل.

الأمر الثاني: لو ثبت كما هو حال كثير من المسلمين اليوم من فئة أو دولة أو جماعة أو فرقة أو شخص أنه وقع في أمر كفري خالص، فإنه لا يُكفّر حتى تنتفي الموانع وتتوافر الشروط.

<<  <  ج: ص:  >  >>