للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرد على دعوى أن السلف يعدل بعضهم بعضاً ويجرحون المخالفين

المقدم: أيضاً من الدعاوى التي يُتهم فيها السلف بأنهم يعدّلون بعضهم البعض ويجرّحون المخالفين؟ الشيخ: نعم، هذا في الحقيقة من القصور في فهم هؤلاء، فالسلف رحمهم الله أقرب الناس إلى العدل، وهذا طبيعي ما داموا أقرب الناس إلى الكتاب والسنة، وما داموا أبعد الناس عن الأهواء بجملتهم، فلا شك أنهم أقرب الناس إلى العدل؛ لكن نظراً لأن موازين السلف في تقويم الرجال موازين شرعية دقيقة، ولا يجاملون ولا يداهنون في حساب الدين، فإنهم حينما تكلموا في الرواة خاصة رواة الحديث، وتكلموا أيضاً في العلماء الذين يؤخذ عنهم العلم، وركّزوا على توافر شروط الثقة والعدالة، سواء لنقل الدين أو للأمانة العلمية التي يقوم بها القدوة، من هنا أيضاً بطبيعة الحال اعتبر السلف البدع قادحة شرعاً، وهي ليست من أهوائهم ولا من أمزجتهم، البدع قادحة، الفسق قادح، النفاق قادح، فمن الطبيعي أن السلف يتكلمون عن المجاهر ببدعته أنه لا تؤخذ روايته، وأن الداعية للبدعة كذلك لا تؤخذ روايته في الحديث؛ لأنه هو جرح نفسه ما جرحوه حينما دعا إلى الباطل وحينما أصر على البدعة ودعا إليها، هو نفسه الذي تلطخ بالسمة التي تخرجه من العدالة، فالسلف يعملون بموازين؛ لكن هؤلاء نظراً لأنهم يتعاطفون مع أهل الأهواء، وأهل السنة والجماعة يقدحون أهل الأهواء بقوادح شرعية، فهؤلاء لا يطيقون القدح في أسلافهم، في حين أنهم لما رأوا أن السلف يوثّقون العدول، والعدول هؤلاء مصدر الدين أزعجهم أن تكون العدالة على هذا النحو، وأن يكون التجريح على هذا النحو.

إذاً: فالسلف في الحقيقة إنما يعملون بالموازين الشرعية في تعديل الرجال وتقويمهم، ولا شك أنهم يحذّرون من البدع والابتداع وأهل البدع، ويرون البدع جارحة، فأهل الأهواء إلى يومنا هذا يتعاطفون مع المجروحين، بل مع الكذّابين والوضّاعين، ولو كانت عندنا سعة من الوقت فإن معي بعض النقول فيها أن الكثير من معاصرين العقلانيين يمجدون الوضّاعين الكذّابين، ويرون أنهم دعاة حرية، ويمجدون كثيراً من روس البدع الكبار، وحتى الذين لم يكونوا كذّابين، لكنهم أيضاً دعاة فتنة، مثل: غيلان الدمشقي، والجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، هؤلاء يعتبرونهم من المظلومين حينما جرحهم السلف، بينما هم دعاة بدعة ودعاة ضلالة، فهم الذين فرقوا الأمة، فمن هنا هؤلاء الذين يزعمون هذه المزاعم موازينهم مختلة، فلا يعرفون معنى العدالة شرعاً، ولا معنى التجريح شرعاً فيجرّحون العدول ويعدّلون المجروحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>