يتضايق أحياناً بعض الشباب الصالح؛ لأنهم أوقفوا عن العمل الفلاني، أو لأنهم لم يسمح لهم بتوزيع كذا لأحد المشايخ أو لغيرهم، ولأنه لم يصرح لأحدهم بتوزيع الشريط النافع، فما الحل أمام هذه الأشياء، أرجو إرشادنا؛ لأن كثيراً من الشباب توقفوا عن العمل بسبب ذلك؟
الجواب
المسألة فيها شيء من التهويل والمبالغة، وهذه من وساوس الشيطان، فطرق الخير والدعوة مفتوحة، وإن أغلق باب منها انفتحت أبواب كثيرة، بل أقول لكم أمر لاحظته وهو: كلما سعى أهل الشر لإغلاق باب من الخير انفتحت عشرة أو أكثر، وهذا لاحظته منذ سنين، ولله في ذلك حكمة، وليس بجهود أحد من البشر أبداً؛ ولذا فلا يضيق صدر المؤمن والمسلم إذا أغلق أمامه باب خير، بل يتسع صدره وينصح ويؤدي كلمة المناصحة للمسئولين وولاة الأمر، وهذا أمر لابد منه في مثل هذه الأمور؛ لأنه قد يشي واش عند المسئولين بأهل الخير فتقع الوشاية موقعها، وقد يهول ذلك بعض الفسقة والفجار -وهذه سنة الله في خلقه- فيهول من التحذير من أهل الخير أو من وجوه الخير، فتقفل بعض أبواب الخير بناء على هذه المشورة الخائنة، فيجب على طالب العلم والداعي إذا رأى باباً من أبواب الخير قد أغلق أن يسعى إلى المناصحة، ويطرق أبواب أهل العلم والمسئولين وأهل الحل والعقد في الأمة، فيبين لهم ويرشد، وهذا أمر ضروري لأمور: أن المناصحة في مثل هذه الأمور أمر ضروري شرعاً؛ لأنه إما أن يؤدي إلى خير وهو الغالب، أو أن يدرأ به شراً، أو تقوم به الحجة على ولاة المسلمين، وهذا مطلوب منا شرعاً، أي: مناصحة من ولاه الله علينا، أو يجعل الله به هيبة لأهل الخير والحق فينصرون بالرعب، لكنّ كثيراً من الدعاة -هداهم الله- ييأسون من إيصال كلمة الحق والنصح لبعض المسئولين، وهذا مسلك خلاف الكتاب والسنة، أليس الله سبحانه وتعالى أمر الأنبياء والمرسلين أن يقولوا النصح وكلمة الخير والقول اللين لمن هم كفار خلص.
إذاً: فكيف بمن ينتسب إلى الإسلام.
ثم أمر آخر وهو: يجب أن يكون على بالكم أنه إذا لم تنفع المشورة والنصح، ولم تنفع الكلمة ولم تؤد إلى أي نتيجة فهي إعذار أمام الله سبحانه وتعالى، والإعذار لا يتم إلا بهذا الأسلوب، لا أن يتم بالصياح في المنابر، وإن كان هذا طيب ومفيد.
ثم أخيراً: أنه في المناصحة والإنكار وبيان الحق وإرشاد المسئولين دفع للبلاء، فكم يدفع الله عن الأمة من البلاء بسبب نصيحة ناصح وأنتم لا تشعرون.
وعدم المناصحة خلل في المنهج، أعني: منهج اتباع السلف، فالسلف كانوا يناصحون ولاة الأمر براً كان أو فاجراً، حتى الكافر إذا كانت نصيحته تؤدي إلى الخير أو إلى نفع للمسلمين أو إلى درء للفساد عنهم فإن النصيحة له واجبة لا لذاتها وإنما للخير، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية نصح بعض ملوك التتار وتكلم معهم، بل تكلم مع بعض النصارى فيما يحقق مصالح المسلمين، وتكلم مع بعض المشركين الذين سلطهم الله على المسلمين في وقت من الأوقات بما يقتضي النصيحة، فكيف ونحن بحمد الله في بلاد المسلمين، ومع أناس هم من المسلمين، لذا فالمسألة تحتاج إلى تأصيل شرعي، ولابد من أداء النصيحة إعذاراً إلى الله تعالى.