[تصديق الجن المتلبسين بالمرضى من الإنس حين ينطقون]
أيضاً مما يقوم به بعض الرقاة مما أثر في الناس في هذا الجانب: تصديق الجن حينما ينطقون، لاشك أن الجني يتلبس بالإنسي، وعند قراءة القرآن قد ينطق الجني ويتكلم، فإذا تكلم الجني يفرح بعض الرقاة بكلامه، فيبدأ يسأله عن أشياء غيبية، يقول: هل تعرف من سحر هذا المريض؟ فيقول: نعم أعرفه، فيقول: من هو؟ يقول: فلان، أو يقول: هل تعرف العائن الذي عان هذا المريض؟ يقول: نعم العائن فلان، فيصدقه، كون هذا مؤشراً أو قرينة، نعم، لكن التصديق لا؛ لأن الغالب في الجني الذي يتلبس بالإنسي أنه فاجر كذاب، والدليل على ذلك تناقض أخبار الجن، هناك جني يقول كذا، والآخر يكذبه فكلاهما يكذب، فعلى هذا ينبغي التثبت، نعم قد يكون من كرامة الله للإنسان أن يهيئ الله علاجه على لسان جني قد يكون هذا ما فيه مانع، وحدث هذا من السلف ومن الصالحين والعلماء، حدث أن استفادوا أخباراً من الجن، لكن لا يلزم أن يكونوا صادقين دائماً، فينبغي التثبت وعدم الجزم، ويؤخذ كلامهم على أنه قابل للصدق والكذب، أما أن يصدق دائماً فلا؛ لأنه يؤدي في الغالب إلى فتن وإلى قطيعة، وهذا حدث منه أن تفرقت أسر وتقاطع الأقارب؛ بسبب أخبار جني اتهم آخر من الإنس، وهذا الرجل يعاديه الناس الذين حوله، ويكون بينهم قطيعة وفساد إلى آخره، وأنا أعرف قصة لامرأة حدثت على يد أحد المشايخ، يقول: إن إحدى العائلات عندها مريض، وهذا المريض نطق فيه جني، وقال: إن الذي تسبب في دخولي في هذا المريض أخته فلانة، فاتهموها دون أن يتثبتوا، فوقع بينهم كلام وشجار، ونفت وأقسمت أنه لم يحدث منها ذلك، فأصروا إلا أن تكون هي التي سحرته، ربما يكون من عقوبة الله لهم أنهم ما شفي مريضهم، لكن الحاصل أن الأمر وصل إلى أن تقسم المرأة على المصحف، وهي امرأة معروفة بالصلاح، فأقسمت على المصحف أن هذا الجني كاذب، وأنها ما سحرت المريض، ومع ذلك صدقوا الجني وكذبوها إلى وقت قريب، ما رأيكم في هذا؟ هل هذا عمل سليم؟ من قال: إن هذا الجني معصوم؟ الأصل فيه الفسق والفجور، وإلا لماذا آذى هذا الإنسي أو الإنسية.
والجن الغالب فيهم الضعف، فهم أضعف من الإنس، لكن لما أعرض الإنس عن ذكر الله وعن شكر الله فإن الجن تتسلط عليهم، وإلا فالأصل أن الجني أضعف من الإنسي، فكيف بامرأة صالحة تقسم على المصحف أن هذا لم يحدث منها ثم يصدق هذا الجني الفاجر، وتكذب وتقع القطيعة بين أسرة من أفضل الأسر.
إذاً: تصديق الجن والشياطين والتسليم لقولهم أوهم كثيراً من الناس أن فيهم سحراً وليس الأمر كذلك، وبأن فيهم عيناً وليس الأمر كذلك، وربما يكون، لكن يبقى الأمر احتمالات.