[الاستعجال في وصف المخالفين بالخروج والمفارقة والبدعة]
الخطأ الثالث: الذين يجعلون من الاختلاف ذريعة في وصف المخالفين بالخروج والمفارقة والمروق، وما يستتبع ذلك من الاستعجال في الحكم على المخالفين، حتى من مرتكبي البدع والأهواء دون تثبت من ترتيب الأحكام عليهم بالكفر أو بالبراء والبغض والهجر، والتحذير من المخالف مطلقاً دون التثبت ودون إقامة الحجة، أعني بذلك أنه لا ينبغي لكل من رأى بدعة في شخص أن يصفه بالمفارقة، ولا كل من رأى أمراً مخالفاً للشرع والدين والسنة أن يصفه بالمفارقة والمخالفة؛ لأن من الناس من يجهل الأحكام، والجاهل معذور حتى يعلم، ومن الناس من يكون مكرهاً في بيئة أو في مكان ما، كما يحدث في بعض البلاد الإسلامية التي يُكره فيها المسلمون على حلق اللحى، أو على ممارسة بعض الأعمال التي لا تجوز شرعاً، ويكرهون بذلك ولو لم يفعلوا لقتلوا، أو عذبوا، أو انتهكت أعراضهم أو نحو ذلك.
إذاً: عارض الإكراه لابد أن يرد في ذهن الحاكم على الناس بأي حكم من الأحكام، ثم أيضاً لابد من إقامة الحجة على الناس، بمعنى أنه قد يرى أحد منا إنساناً يرتكب بدعة من البدع التي عادة إنما يرتكبها أهل الافتراق كبدعة الموالد مثلاً، فإذا فعلها إنسان عامي جاهل فلا يعني أن يوصف بالافتراق حتى يُبيّن له الأمر، أما الابتداع فيوصف فعله بالابتداع، لكن لا يوصف بأنه مفارق أو أنه خارج عن الجماعة، أو أنه من الفرق الهالكة بمجرد رؤية بدعة أظهرها حتى تقام عليه الحجة، اللهم إلا البدع المكفرة، وليس المقام هنا يتسع للكلام عنها.
إذاً: اتهام الناس بالمفارقة للدين فيما هو دون الأصول من البدع والمخالفات والمحدثات هذا لا يجوز، بل هو من التعجل، وينبغي على من رأى شيئاً من ذلك أن يتثبت وأن يسأل أهل العلم.