للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ضرورة الرجوع إلى دين الله عز وجل]

هناك حقيقة كبرى يقينية قطعية نسيها كثير من طلاب العلم والدعاة فضلاً عن غيرهم، وصارت غائبة في هذه الظروف إلا النادر، مع أنها هي الفاصل في بيان وجه الحق وإقامة الحجة على هؤلاء على الإجمال، أما الدخول في التفصيل فهذا يحتاج إلى أدلة، أقصد أن حقيقة الأمة الإسلامية في كل بقاع الدنيا عامة، وفي بلاد مهبط الوحي خاصة، يستحيل أن يكون لها رقي ومدنية وحضارة على وجه تسعد بها وترقى وتعتز إلا بالإسلام والدين، وربما تخفى هذه الحقيقة بسبب غبش في التصور وفي النظر في واقع الأمم الأخرى، وهذا يقوله أصحاب نزعة العلمنة وبعض الجاهلين وبعض المغترين بالغرب رغم أنه قد انكشف وتعرى، ومع ذلك لا يزالون مغترين، وربما يشتبه عليهم أنه الآن الغرب كبلاد والدول الشرقية الأخرى التي أخذت بالأسباب المدنية ارتقت حضارياً ومدنياً، ووصلت إلى درجات الهيمنة والعزة، نقول: نعم، هذا صار حينما تخلف المسلمون عن رسالتهم، هذا أولاً.

ثانياً: أن الله عز وجل وعد الكفار وغير الكفار ممن يأخذ بأسباب الدنيا بأن يعتز بها، لكن العزة في المسلمين لا تدوم بل تكون وبالاً عليهم إذا خالفوا دينهم، أما بقية الأمم الكافرة إذا أخذت بأسباب الدنيا قد تزدهر عندها الدنيا، لكن ليس لها في الآخرة من نصيب، فلا نقيس الأمة الإسلامية على الأمم الأخرى؛ فالأمة المسلمة مهما أخذت بأسباب العز الدنيوي دون أن تأخذ بدينها على وجه سليم، فلن تعتز ولن تقوى ولن تنتصر، قد تحصل على عزة جزئية ونصرة جزئية مآلها أن تنقلب الحال عليها وتكون وبالاً وعقوبة، هذه حقيقة أرجو أن تكون هي بداية الكلام عن المسلّمات.

المسلمون اليوم وبعد اليوم وقبل اليوم وإلى قيام الساعة لن يكون لهم كيان دولي، ولن يكون لهم عزة ولا حضارة ولا مدنية تزدهر ويسعدون بها وتجتمع كلمتهم، وتكون لهم هيبة أمام العالم إلا بأن يرجعوا إلى دينهم، ويأخذون بأسباب الدنيا التي هي مطلوبة شرعاً ومن منطلق الدنيا لخدمة الدين أن تكون الدنيا بأكفّهم والدين في قلوبهم، ويسخّرون الدنيا لخدمة الدين وخدمة البشرية، ومن هنا تزدهر حضارتهم كما ازدهرت في السابق، أما أن نتصور مجرد تصور أن يكون للأمة عز ونصر وتمكين بدون أن ترجع للإسلام فهذا مستحيل، وإن وجد جزئياً فمآله إلى وبال، قد يوجد لأن ظروف التاريخ أحياناً يكون فيها خداع، ويكون فيها استدراج من الله عز وجل، ويكون فيها نوع من الجولات التي تنتهي في النهاية إلى ما وعد الله عز وجل به {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>