ما موقفنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)؟
الجواب
هذا السؤال يرد في كل محاضرة؛ لأن هذا مثل قميص عثمان، يعني: من أكثر ما يتذرع به الغلاة هذا الحديث، وأنا أعلم أن بعضهم يعلمون أن هذا الحديث حجة عليهم، لكن يقول: ولو، فتقول له كذا وكذا، فيقول: ولو، طيب ولو ما معناها؟ معناها: الهوى.
فحديث (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، خطاب للأمة، وأول معني بهذا الحديث الصحابة ثم الخلفاء الراشدون بالذات، فماذا صنعوا بهذا الحديث؟ شاور عمر بن الخطاب الصحابة ماذا يصنع، وكيف يخرج المشركين من جزيرة العرب؟ فاختلفوا هل جزيرة العرب هي الحجاز أو هي نجد أو الجزيرة كلها، والاختلاف لا يزال واقعاً، ويمكن أن جزيرة العرب هي كل الجزيرة، وهذا محتمل، وهذا الذي عليه الجغرافيون وكثيراً من علماء التاريخ، وإذا قلنا: يوجد في جزيرة العرب مشركون فما المقصود بهذا الحديث؟ هذا الحديث له فقه، فقهه الصحابة والتابعون وسلف الأمة بإجماع عملي سلكوه وهو أن الخطاب للجماعة، هذا شيء، الشيء الآخر أنه لا يعني الأفراد والعصابات، فهل سمعت أن صحابياً أو تابعياً أو أحداً من القرون الثلاثة الفاضلة بل حتى الخوارج الذين استحلوا دماء المسلمين هل سمعت أحداً منهم ذهب لمشرك وقتله في جزيرة العرب؟ إذاً: الخطاب للجماعة، والجماعة هم من يمثلهم العلماء وأهل الحل والعقد، وعمر خليفة يستطيع أن ينفذ الخطاب؛ لأنه يمثل المسلمين كلهم لكنه شاور الصحابة، فاختلفوا اختلافاً كثيراً فكان جملة فقههم أن المقصود بالمشركين هم المشركون الذين يكون لهم كيان أشبه بدولة، لهم كيانهم الاجتماعي والاقتصادي ومعابدهم يمارسون كياناً كاملاً مثل ما نسميه الآن دولة، فهؤلاء لا يسمح لهم، هذا شيء.
الشيء الآخر ألا يكونوا أهل ذمة ولا آتين بعقد ولا عهد، أما إنسان يأتي معه تأشيره طبعاً كانت العهود لها صور كثيرة على مدى التاريخ.
والعهود في عصرنا بين المسلمين وبين غير المسلمين هي تأشيرة الدخول، أما إذا جاء بدون تأشيره فالدولة لن تتركه، وهذا معروف، فعندها رجال أمن وعندها أهل الاختصاص، وحتى لو وجدت كافراً دخل بدون تأشيره فهل يجوز لك أن تأخذ السلاح وتقتله؟ سبحان الله! من قال هذا؟ وبأي دين؟ وبأي مبدأ؟ هذا يترك للسلطة.
إذاً: المخاطب السلطان وجماعة المسلمين والعلماء، والذين يأتون بعهود كانت الجزيرة مليئة منهم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيها كثير من العلوج المشركين المجوس، والذي قتل عمر مجوسي، ولما استأذن الصحابة في أن يطردوهم من المدينة قال: لا، أخذوا العهد عليكم، وهم غدروا به وقتلوه ومع ذلك قال: لا، هؤلاء أخذوا العهد علينا، هم في ذمة الجميع، والعجيب أن الله جعل الكافر في بلاد المسلمين إذا دخل بعقد -مثل هؤلاء الذين يدخلون عندنا- أنه في ذمة الجميع، وسبحان الله! أمر عجب! وهو كافر، لكن هذا حكم الله.
فالذي يقتل كافراً خالف دين الله ووقع في الوعيد، وخالف الصريح من النصوص وخالف ما أجمع عليه الصحابة واتفق عليه سلف الأمة وخالف نهج الخلفاء الراشدين وخالف العلماء وغدر بالجميع وغدر بعهد الدولة وبعهد الشعب والمجتمع ووقع في الوعيد:(من قتل ذمياً لم يرح رائحة الجنة)، وأنا ناقشت عدداً منهم فتجد أحدهم يقول لك: ولو، نسأل الله العافية، وما دام ولو، فما هناك حيلة إلا الله يتولانا ويتولاكم.