ما هي مسلمات الدين؟ هذه كلمة قد لا تكون مستعملة عند السلف، قد تكون اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذه كلمة وصفية ليست حدية، وليست هي الكلمة الشرعية، الكلمة الشرعية هي الإيمان والإسلام والسنة والحق والدين، لكن هذه العبارات أحياناً تستعمل على غير وجهها، فنريد أن نردها إلى الوجه الشرعي كمنهج السلف في الألفاظ المحتملة المجملة، فكلمة مسلّمات، ثوابت، أو مسلّمات الدين، وثوابت الدين من الكلمات المجملة، قد تُفسّر بأكثر من تفسير، فنحن نفسّرها بما يلي: ثوابت الدين: أركانه، قطعياته، قواعده.
يعني: الأمور التي هي مبنى الدين، والأسس التي يقوم عليها الدين نسميها ثوابت ومسلّمات؛ لأنها ثوابت من مصدر الحق، هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأنها مسلّمات يقينية قطعية لا مجال للكلام فيها ولا الزيادة ولا النقص، وعلى هذا فإن مسلّمات الدين هي الدين كله، وثوابت الدين هي الدين كله، لكن الدين منه ما هو قواعد وأصول ونصوص قطعية فهذه ليست محل جدل، ومنه ما هو اجتهاديات فهذه في مفرداتها ليست من الثوابت، لكن في أصولها ومرجعيتها ومصادرها هي من الثوابت.
إذاً: الدين كله يرجع إلى الثوابت، والاجتهاديات لا بد أن تنطلق من الثوابت وإلا فليست معتبرة وليست من الاجتهاد، بل من الهوى والبدعة والضلال، والأحكام الفقهية الاجتهادية أصولها قواعدها منازعها مداخلها مصادرها ثوابت، لكن تطبيقاتها القول فيها من خلال إرجاعها إلى نص، أو من خلال فهمها من النص المحتمل هذا مما يجتهد فيه العلماء، وهذا من خصائص الدين في سعته وشموله وصلاحيته وكماله.
إذاً: الثوابت والمسلّمات التي أريد أن أتحدث عنها، وسأركّز فيها على الثوابت والمسلّمات التي أصبحت تستهدف الآن بالتشكيك فيها وبالطعن، وبالدخول على عقول ناشئتنا من البنين والبنات والنساء والمثقفين وغيرهم، الدخول على عقولهم من خلال هزّها والتشكيك فيها، ومن خلال أيضاً الطعن المباشر فيها، وهذا كله وجد، كان هناك كثير من الناس الذين يتكلمون عن ثوابت الدين ويستهزئون بها ويشككون فيها، كانوا قبل عقود قريبة من السنين يُعرفون بالنفاق الظاهر، ولهم أوصاف وأسماء، الآن بدأ يتكلم في هذا الموضوع أناس، في الحقيقة أعجب ولا ينقضي عجبي، ولا أستطيع أن أفسّر هويتهم، أناس من أبناء جلدتنا، تربوا في أحضان السنة ومدارسها، وتقلبوا في أحضان عائلات معروفة بالعلم والفقه في الدين ومن مراجع البلد، تربوا في محاضن العلم واليقين والدين والفضيلة، ثم نفاجأ وهذه نتيجة ما ذكرته لكم من الهجوم الإعلامي والفكري الشرس عبر الإنترنت والفضائيات وغيرها، هذا الهجوم الشرس أوجد فئات من أبناء جلدتنا يشكون في أغلى ما نملك، وأصبحوا يسبون آباءهم وأجدادهم، أصبحوا يأسفون على التاريخ النقي الأبيض الذي عشناه قبل سنين، ويعتبرونها غلطة، بل منهم من يعتبر تاريخ الإسلام منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا كله غلطات، هذا وجد وتكلّم فيها الآن وسائل الإعلام، ويدورون حول هذا ويجزّئون عليه ويفرّعون، اعتبروا الحجاب دخيلاً، واعتبروا صيانة المرأة دخيلاً على الأمة وتقاليد، واعتبروا احتضان الشباب في محاضن الخير نوعاً من الإرهاب، واعتبروا التديّن بحد ذاته خطراً على الأمة، ما الذي بقي لنا؟ لم يبق من مقومات العزة شيء، كل مقومات العزة الآن يستهدفونها تحت ذرائع الإصلاح، وتحت ذرائع الإشفاق على الأمة، وتحت ذرائع إخراج الأمة من وهدة ما يسمونها بالتأخر والرجعية إلى التقدم والتحضر، وكأن من أسس التحضّر الانسلاخ من الدين، وما علموا أن الأمر عكس ذلك.