للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المدرسة العقلية الفلسفية المعاصرة وعلاقتها بافتراق الأمة]

السؤال

ما رأيك بالمدرسة العقلية الفلسفية المعاصرة؟ وما رأيك بالداعين إليها، مع أن الداعين إليها أناس يلبسون ثياب الملتزمين والصالحين؟ وهل هم ممن يهدف إلى افتراق هذه الأمة؟

الجواب

الحقيقة هذه مسألة نسيت التنبيه عليها وكانت في ذهني، وهي أنه من ابتلاء الله للأمة أن يحدث كثير من الافتراق على أيدي أناس يظهر منهم الصلاح، وهم يظنون أنهم صالحون، فمثلاً ممن ذكرتهم: معبد الجهني على سبيل المثال، والجهم بن صفوان، وواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد هؤلاء يُعدون من العُبّاد والزُهّاد، والذين يتلبسون الآن بوشوح السنة وهم على مذهب العقلانيين في العصر الحديث، لا يصلون مع أولئك شيئاً في التقوى والصلاح، أولئك كانوا من قوام الليل ومن صوام النهار، وكانوا قدوة في مسائل العبادة، لكنهم ليسوا بقدوة في الاعتقاد والدين، ولعل مسألة الخوارج قريبة في أذهانكم، وصف النبي صلى الله عليه وسلم عبادة الخوارج: بأنكم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، ويقرءون القرآن، يصلون الليل، ويصومون ومع ذلك خرجوا على الإمام، فهذا فيه عبرة وعظة.

ولذلك ينبغي للمسلم أن يسأل ربه العافية والسلامة، ألا يكون ميزانه مختلاً في وزن الرجال.

لا بد أن يكون أئمة الهدى على استقامة في العمل وفي الاعتقاد، في الهدي والسلوك الظاهر والباطن، وأن يكونوا على نهج السلف، أما من خالف نهج السلف في فكره أو في اعتقاده أو في عمله فهو مخالف.

يعني: لو كان في اعتقاده سليم لكن خرج على الجماعة بالسيف، فهو مفارق، ولو كان في اعتقاده فاسد لكن مظهره صالح، يصلي وفيه ورع وفيه تقوى وزهد وعزوف عن المحرمات إلى آخره، فهذا ليس بقدوة ما دام اعتقاده فاسداً.

إذاً: ليست العبرة بهذه الأمور.

أما مسألة العقلانيين فهي وصف ينطبق على كثير من الفئات يجمعها قاسم واحد على اختلاف مناهجها ومشاربها وأساليبها، وهذا القاسم هو القول في الدين بالرأي، وعدم اعتبار أقوال السلف فيما يخالف فيه، بمعنى أنه قد يوافق كثيراً من السلف ويثني عليهم ويقول: إنه متبعهم، لكن في المسألة التي يخالف فيها يبرر لنفسه، ويخالف عقلاً لا شرعاً.

وما اتفق عليه السلف لا سبيل للمخالفة فيه، سواء كان في العقائد أو في الأعمال أو في المناهج، والقاسم المشترك عند العقلانيين المخالفة بمجرد الرأي لما عليه السلف، إما في اعتقاد، أو في عمل، أو في نهج، أو في هدي، أو في سلوك مما هو سمت عام لأهل السنة والجماعة مما لا يسع فيه الخلاف.

فمن قال برأيه سواء كان مقلداً لآراء آخرين كالمستشرقين أو بعض المفكرين الذين ابتليت بهم الأمة ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين الآن، وهم أئمة افتراق، سواء قلد هؤلاء أو قلد غيرهم، أو تبنى بنفسه بعض الأفكار التي تخالف منهج السلف فهو عقلاني.

وهؤلاء المثقفون في العالم الإسلامي لا يخلو منهجهم من لمز من يخالفهم من الأئمة، وقد يثنون على العالم في جانب ويلمزونه ويثلمونه في الجانب الذي يخالفونه فيه.

فعلى أي حال هذا أمر لا ضابط له، فالمدرسة العقلية هي مدارس شتى أهمها المدرسة الجديدة التي ظهرت بين الدعاة، وهي مدرسة أشبه بمدرسة المعتزلة، وهي مدرسة تحررية تأخذ بمناهج تبتدعها من نفسها وتلغي مناهج السلف في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وفي الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>