للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف بالخوارج وبيان مذهبهم وأفكارهم]

السؤال

من هم الخوارج؟ وما هو مذهبهم؟ وعلى ماذا يتركز فكر الخوارج؟

الجواب

الخوارج: هم أناس خرجوا عن جماعة المسلمين وعن إمام المسلمين في عهد علي بن أبي طالب، ثم بعده أيضاً ظهرت فئات من الخوارج، ويظهرون آخر الزمان كما جاء في حديث البخاري، وهم قوم يتدينون على غير منهج صحيح، عندهم عاطفة في التدين شديدة جداً، لكنهم على غير منهج صحيح.

وهذا ذكرني بفائدة أعرج عليها وهي: أن بعض الناس يشكل عليه الأمر فيما يتعلق بالظواهر الجديدة التي تشبه ظواهر الخوارج، وإن لم تكن كلها على مذهب الخوارج؛ لأنه لا يلزم أن يكون الغلو كله هو مذهب الخوارج؛ فالغلو واسع يشمل مذهب الخوارج وغيرهم، ولا يلزم أن كل من وقع في استحلال الفساد في الأرض أن يسمى من الخوارج، فقد يكون باغياً وقد يكون متأولاً إلى آخره، لكن عمله حرام وفساد وإن لم يكن من الخوارج.

على أي حال الحقيقة التي ينبغي أن نفهمها في هذا الأمر أن مذهب الخوارج وما يشبهه غلو، والدليل على ذلك: أنه ما سلك مسالك العلماء والمعتدلين وأهل العقل والرشد.

وإذا ما كان الفساد في الأرض والتكفير والتفجير هو الغلو في هذا الزمن فما هو الغلو؟ وإذا لم يكن هذا المظهر هو الغلو الذي يشبه غلو الخوارج فما هو الغلو؟ ومذهب الخوارج يقوم على الخروج على أئمة المسلمين وعلى العلماء وبقية المسلمين، وعلى التكفير واستحلال دماء المخالفين.

أيضاً: يقوم على مناهج خاطئة في الاستدلال، فهم يستدلون بنصوص على غير وجهها، ولذلك لما جاءهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وبصرهم بخطئهم في الاستدلال وقلب أدلتهم عليهم، واستدل عليهم بأدلة أخرى رجع منهم قيل: أربعة آلاف، وقيل: ألفان في جلسة واحدة، وهذا عدد هائل، مع أنهم أصعب الناس في أن يقتنعوا بقول يخالف قولهم.

وغالباً صاحب الغلو يقفل ذهنه عن قبول رأي الآخرين؛ لأنه مصمم في ذهنه على أن الآخرين على باطل، فلا تجد عنده الاستعداد لسماعك أو لفهمك على أنك إنسان لك وجهة نظر شرعية قابلة للاجتهاد، لا يفهم منك هذا.

أيضاًَ لا يجلس معك، وليس لديه استعداد على أنه ممكن أن يقبل منك الحق، بل هو جازم على أن الحق معه، وأنك على باطل؛ ولذلك يكتفي بالحوقلة والحسبلة إذا حدثته فقط؛ لأنه يراك ضالاً يراك لا تعرف الاستدلال يرى أنك لم تعرف الحق الذي يعرفه، وإن كان مشفقاً عليك يمكن أن يدعو لك فقط بأن يهديك الله.

فهذا هو منهج الخوارج، لكن أحب أن أنبه على أمر: ليس كل من سلك شيئاً من هذه المسالك يسمى خارجياً، فقد يقع الإنسان في الغلو ولا يسمى من الخوارج، وقد يقع في التكفير -وهو خطأ- ولا يسمى من الخوارج، وقد يستحل الفساد في الأرض، وقد يستحل التفجير، ولا يلزم أن يكون من الخوارج، فقد لا تتوافر فيه صفات الخوارج، قد تكون فيه خصلة من خصال الخوارج وهي التكفير، واستحلال الدماء إلى آخره، وهذا نوع من الفساد أو بغي، أو تأول خاطئ.

ثم لا ننسى أن كثيراً مما يقعون فيه من هذه الأمور يقعون فيه بسبب أنهم مغرر بهم، فأحدهم شاب تدين بعاطفة قوية، وجاءه شخص من أصحاب الغلو وجلس معه ثلاث ساعات وشحنه شحناً عاطفياً مركزاً، فقلبه (١٨٠درجة)، وبدل أن كان إنساناً وديعاً ومسالماً أصبح خلال ثلاث ساعات إنساناً عدوانياً يتمنى أن يفعل أي شيء ينتقم فيه للدين بزعمه؛ فتحول إلى مفجر، وهذا في نظري إلى الآن ما حدث من الخوارج، ولا أظنه كان من البغاة.

وتجد أغلب أصحاب هذا الفكر من صغار السن، وقد رؤيت بعض الأشرطة التي عرضت عنهم تجد أن فيهم خفة أو سفاهة في أحكامهم وتصرفاتهم، خفة مراهقين غوغاء، فهؤلاء مساكين يحتاجون إلى من يرجعهم إلى رشدهم، يحتاجون إلى من يعالجهم؛ فلا نستطيع أن نقول: إنهم خوارج، لكنهم وقعوا في الخطأ، وأعمالهم أعمال خوارج، لكن أشخاصهم الله يتولاهم، هو أعلم بحالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>