أحسب أيضاً أن من الأمور التي يجب التنبيه عليها في مثل هذا المقام: أن الأمة لا يمكن أن تصلح إلا بالمرجعية، وهذا بدهي، لا أقصد بالمرجعية مصادر الدين، فهذا أمر معلوم بالكتاب والسنة، لكن أقصد المرجعية في القدوة، وهذه مسألة اختلت كثيراً عند شباب الأمة وأفرادها، بل عند الجميع، لا أقول: عدمت، لكن اختلت بشكل مزعج، وهي الاستهانة بالمرجعية بالعلماء بمن لهم حق الطاعة، حتى لو لم يكونوا علماء، فجماعة المسلمين ينظمها في جمع الكلمة مساران: المسار الأول: الخط الشرعي الذي هو الالتفاف حول العلماء، فعلى جميع أفراد الأمة وفي مقدمتهم طلاب العلم أن تجتمع كلمتهم على علمائهم، وأن يلتفوا حولهم، وأن يصدروا عن آرائهم، وأن يتركوا كل وسيلة أو دعوى تحول بينهم وبين العلماء من حزبية أو جماعات أو توجهات أو تيارات أو غير ذلك، فأي توجه يحول بين العلماء وبين طلاب العلم فإنما هو من الكوارث التي تقع على الأمة، فيجب أن تجتمع القلوب والمناهج والكلمة على العلماء، وأن يصدر الجميع عن توجيه العلماء، ولا يجوز لأحد أن يتذرّع بأي ذريعة من الذرائع بدعوى أن العلماء لا يدركون الواقع، وهذه الحالقة، نعم العلماء لا يحيطون بكل شيء، لكن هم المرجع العام وهم الصمام، وهذا المتحذلق الذي يقول: لا يدركون الواقع، قم بخدمتهم، فالعلماء يجب أن تخدمهم التخصصات وتصدر عنهم، جميع التخصصات الدعوية والعلمية والبحثية يجب أن تخدم العلماء، وتقدم لهم المعلومة التي يسترشدون بها للحكم والفتوى، لكن بعض الناس يريد من العالم أن يكون طبيباً، وأن يكون مهندساً، وأن يكون متخصصاً بالكمبيوتر، وأن يكون عالماً بالذرة، هذا تحصيل معجز.
فإذاً: العالم هو المرجع للجميع، للدعاة وطلاب العلم، وأهل الخير والحسبة، والمؤسسات الخيرية، هذا مسار.
المسار الثاني: المرجعية الشرعية والاجتماعية المعتبرة شرعاً أو المعتبرة عرفاً، وكل هذا له وزنه في الشرع، فالمعتبرة شرعاً: السمع والطاعة لولي الأمر سواء كان براً أو فاجراً، تكون طاعته بالمعروف من غير معصية الله؛ لأن جمع الكلمة على الوالي والدعاء له واجب، كذلك البيعة واجبة في أعناق الجميع في أي بلد شرعي أقامت فيه بيعة شرعية مثل هذه البلاد، فهي واجبة على أعناق الجميع، حتى لا نقع فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم:(من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
ونحمد الله عز وجل أن في بلدنا بيعة، هذه نعمة تحقق فيها مطلب شرعي عظيم، فقده كثير من المسلمين.
ثم أيضاً النصح لهذا الوالي والدعاء له، بعض الناس مجرد ما يرى خطأ كبيراً أو صغيراً يشحن نفسه بالحقد، ويبدأ يدعو على الوالي، وربما يشحن الآخرين ويحدث فتنة، وما يعلم أن هذا مصادم للشرع أصلاً، مصادم لمبدأ كوننا نؤمن بالسنة والجماعة، ومبدأ السنة والجماعة النصح، وهذا ليس منهج علماء كما يقول البعض، لا، بل هو منهج شرعي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر الأحاديث في هذا، وهذه الأحاديث تنطبق على عصرنا، هناك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم توصي بالسمع والطاعة بالمعروف، والصبر على المظالم، والصبر على كل ما يصدر عن ولي الأمر، والدعاء له، والجهاد معه، والجمعة معه، والصلاة خلفه إلى غير ذلك من الأحكام القطعية المتواترة.
هذه الأحاديث هل المقصود بها الخلفاء الراشدين؟ لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الظالم، هل معنى أن الخلفاء الراشدين يظلمون؟ لا، لكن معناه أنه سيأتي من يظلمون، بعض الناس لا أدري كيف ينتكس ويرى أن السمع والطاعة لا تكون إلا لخليفة راشد؟ الخليفة الراشد ما يحتاج منك شيئاً، إن سمعت وأطعت وإلا فالأمة ستقف أمامك كلها، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها ملابسات، وكان من تقدير الله سبحانه وتعالى أن يحكم الأمة البر والفاجر على مدار التاريخ، تُحكم بالخلافة والملك، كل هذا واقع، والله عز وجل يؤتي ملكه من يشاء.
فإذاً: المسار الثاني: طاعة ولي الأمر، وولي الأمر ابتداء من الملك ومن دونه إلى أدنى مسئول من مدير المدرسة، والمعلم، والمسئولة في مكتبها، والرجل في وظيفته كل هذا ولي أمر.
إذاً: يجب أن يطاع ولي الأمر صغيراً كان أو كبيراً، مهما كانت درجته في الوظيفة يطاع بالمعروف، ومن هنا تستقيم أمور الأمة وتعتز وتقوى، وتجتمع القلوب، وإلا تقع مثل ما يحدث في بعض البلاد الأخرى التنافر الذي ينتهي بالتقاتل واختلال الأمن.
من الثوابت في إطاعة ولي الأمر: ضرورة الدعاء لهم، وجمع الكلمة عليهم، وإن كان عنده أخطاء؛ لأنه لا يمكن أن يحفظ دين الأمة ولا أموالها ولا أعراضها إلا بذلك، ولأنه بالتشاحن مع ولي الأمر يختل الأمن، وإذا اختل الأمن ما بقي لك لا دين ولا دنيا، حتى الدين يتضرر، وهذا موجود عبر التاريخ، والآن في واقع المسلمين وفي التاريخ الماضي، ما من وقت حيل بين الناس وبين الصبر على ولي الأمر إلا وتحدث فتنة وكارثة لا ينتصر فيها الدين، ويزداد الشر الذي يريد الناس أن يخرجوا منه، فمثلاً الذين خرجوا على عثمان