كذلك مسألة كمال الدين، وهذا معروف ولا نتمارى فيه ولا نتجادل، لكن هناك أناس يحتالون على هذه القضية ويقولون: إن الكمال كمال إجمالي وليس كمالاً تفصيلياً، نقول: الدين ضوابط وفحوى، والدين روح، لكن تفصيلات الدين هذه يريد طائفة من المسلمين اليوم أنا نكتفي بمجملات الدين وبروح التدين، نكتفي بقواعد الإسلام العامة، والجزئيات نتركها ولو كانت فيها أدلة شرعية صحيحة، فتسمية قواطع الدين والأحكام جزئيات هذا غلط، ولذلك أرادوا أن يتخففوا من كل ما يخالف أهواءهم وبرامجهم للتطور وبرامجهم للتقدم وغيره، فكل ما يعارض أهواءهم في ذلك يردونه ولا يبالون بقطعية النصوص، مع أنه ليس في نصوص الشرع إطلاقاً ما يخالف التطور، بل جاءت النصوص الشرعية لمواكبة مستجدات ونوازل البشر إلى قيام الساعة واحتوائها وعلاجها، لكن هؤلاء يلبّسون، والإسلام ليس فقط يواكب التطور أو يجيزه، بل الإسلام ينبني على أن الحياة البشرية لا بد أن تطور، والتطور سنة الله في خلقه، لكن كلمة (تطور) سلاح ذو حدين: أولاً: التطور الذي يعني الخروج عن عقيدة الإسلام، والخروج عن الفضيلة، والخروج إلى انتهاك حرمات الإسلام، وإلى انتهاك مقومات الأمة، فهذا ليس بتطور وإنما هذا تأخر.
ثانياً: التطور الذي يعني تطور المسائل ومستجدات الحياة في الأمور المباحة، وهذا دين الإسلام يستقبله ويرضاه، بل يأمر به ويحفّز عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) هل يمكن أن يكون الإتقان بدون استعمال المستجدات من وسائل الحياة؟ لا يمكن، الآن العمل المؤسسي كيف نتقنه؟ كيف نتقن وسائل الدعوة؟ كيف نتقن وسائل نشر الدين والتفقيه في دين الله؟ بالأعمال البدائية؟ أبداً، معنى هذا: أن الأمة لن تستفيد ولن ينتشر الخير فيها.
فإذاً: الإسلام يستوعب التطور بل يأمر به، لكن لنقف عند مفهوم التطور، ما هو التطور الممنوع وما هو التطور المشروع؟ ما هي الوسائل المباحة وغير المباحة؟ هذا أمر يُرجع فيه إلى قواعد الشرع وضوابطه.
الدين كامل، وكماله لا يعني كمال المجملات والتفاصيل، ولا بد أن نقول هذا، وإلا سيرجع الأمر إلى الارتداد عن الاعتقاد بكمال الدين، إذا استدرك أي إنسان على كمال الدين معناه: أنه لم يقتنع بكمال الدين ولم يؤمن، فالدين كامل وشامل لكل جزئيات الحياة في الفرد والأسرة والمجتمع والبشرية جميعاً في كل وقت، ومهما كان التطور فالإسلام يستوعبه، بل يواكبه ويسبقه، لكن تقصير المسلمين هو الواقع والحاصل، ولا يعتبر حجة على الإسلام.