ولا أقصد بذلك مجرد تحصيل العلم الشرعي أو الثقافة العامة والفكر كما هو حاصل عند كثير ممن ينتسبون للصحوة.
بل أقول: إن هذا منهج لا تستقيم به العقيدة ولا يستقيم به الفكر، ولا يوجد القدوة في الدين، وتحصيل العلوم الشرعية على غير أصولها الصحيحة، وتحصيل الثقافة الشرعية العامة بغير وسائلها الحقيقية كل ذلك لا يبني الشخصية المسلمة، بل في الغالب يوجد الغرور والتعالي، ويوجد العلم الذي لا تنظمه قاعدة ولا ينظمه أصل، علم بلا قدوة، علم بلا أصول، لذلك نجد أغلب الذين يأخذون دينهم أو علومهم الشرعية أو تحصيلهم للعلوم الشرعية عن طريق الوسائل، دون أن يكون لهم قدوة، ودون أن يأخذوا بالأصول الشرعية نجد أغلبهم يخلطون في الأمور: في الأحكام، في العقائد، فيكون عندهم شطحات ومواقف شاذة تجاه الأحداث والمواقف والأشخاص؛ وسبب ذلك أنهم ظنوا أنهم علموا حينما قرءوا كم كتاب وسمعوا كم شريط وحضروا كم محاضرة وتلقفوا بعض المعلومات المشتتة عبر الأجهزة المسموعة والمرئية، فظنوا أنهم بذلك صاروا علماء أو مثقفين، ويستغنون عن العلماء، وهذا مع الأسف كثير بين المثقفين والمفكرين، أو من يسمون بالمثقفين والمفكرين.
أقول: لا بد من التفقه في الدين على أصوله الشرعية وبأسسه الشرعية.
أولاً: التفقه في الدين لابد أن يكون على يد عالم قدوة، أو طالب علم متمكن، ولو لم يكن عالماً تتوافر فيه جميع شروط العلم لكن ينبغي أن يكون طالب علم متمكن موثوق بقدوته وأسوته، ومتمكن في علمه الذي يعلمه، هذا شرط.
الشرط الآخر: أن يكون متحرراً من الغايات والأهداف الأخرى، فتحصيل العلم الشرعي ينبغي أن يكون من خلال الدروس وحلق الذكر والعلم، وقراءة الكتب بمشورة العلماء وطلاب العلم الذين لهم الخبرة، ومن أخذ علماً يجب أن يأخذه بتدرج على طلاب العلم الفاهمين الذين يعطون العلوم بتدرجها، فلا يأتي إنسان صغير ويأخذ أصعب الكتب في علم العقيدة أو في أصول الفقه مثلاً؛ لأن هذا يؤدي إلى أحد أمرين: إما أن يتعثر وينغلق عن هذا العلم، أو يفهمه على غير وجهه، فيبدأ يخبط في الأحكام وفي أمور المسلمين، وكل ذلك خطأ، وهذا لا يعني أننا لا نستفيد من الوسائل، لا، فأخذ العلم الشرعي عبر الشريط والإذاعة والندوة والمحاضرة والكتاب والمدرسة والجامعة هذا أمر طيب، بل هو وسيلة يجب أن نستفيد منها ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، لكن الاقتصار عليه في التفقه في الدين هذا خطأ، وفرق بين من يريد أن يحصل بعض الأمور البدائية التي تحصن دينه وبين من يريد أن يسلك طريقاً للعلم الشرعي الذي يتفقه به ويتخصص وينفع الأمة، فرق بين هذا وذاك.
فطالب العلم الذي يريد أن يحقق للأمة حاجتها من الفقه في الدين في تخصص أو أكثر من العلوم الشرعية لا بد أن يسلك الطريق السليمة، أما من عداه من عامة المسلمين فعليه أن يسدد ويقارب، ويحاول قدر إمكانه أن يحضر دروس المشايخ وطلاب العلم، فإذا لم يتمكن فأخذه المعلومات الشرعية عن طريق الوسائل هذه نعمة، ويجب أن يستفيد منها كل مسلم، لكن الدعاة والموجهون للأمة يجب أن يتفقهوا في الدين بأساليب التفقه الصحيحة الشرعية.