يكاد يجمع منتقدو الصحوة وفيهم بعض المحايدين على عدم وضوح البرامج السياسية للجماعات الإسلامية مما يقلل من التأييد لها في أوساط عامة المثقفين، وهناك من يقول: إن سبب ذلك عدم اهتمام كبار علماء المسلمين بالسياسة، وعدم توفرهم على دراستها ومعالجتها علمياً، فما جوابكم على ذلك؟
الجواب
هذا سؤال جيد، ولا يسعني إلا أن أجيب بما أرى أنه هو الحق إن شاء الله.
أولاً: أرى أنه من المبكر، ومن السابق لأوانه أن تضع الأمة الممثلة بهذه الصحوة المباركة برامج محددة للقفز إلى المجال السياسي، ذلك أن التمكين في الأرض يكون بأصول أخرى قبل هذا الجانب.
فتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، ونبذ الشركيات والبدع الموجودة في الأمة، ثم ما يستتبع ذلك من نشر الفضائل وإقامة الفرائض والسنن وغيرها، هذه مراحل سابقة، والتمكين السياسي تمكين تلقائي يهيئه الله بعد الأخذ بأسبابه، ولا يحتاج إلى خطط مدروسة ولا إلى مناهج ملموسة، بل هو ثمرة تلقائية لتمكين هذه الصحوة في الأرض في المستقبل القريب إن شاء الله، هذا أمر.
الأمر الآخر: أرى أنه من الخطر، ومن الخلل والخطل أن يستعجل شباب الصحوة -وهم لم ينضجوا بعد- في الحديث الجاد عن السياسة أو محاولة القفز إلى العيش في كواليس السياسة عملياً، ذلك أن السياسة الآن هي آخر صرح للعلمانية وآخر حصن.
والقفز إليها قبل تهيئة الأمة في أمور أهم منها تتعلق بأصول الدين وشئون الأمة وقضاياها، أمر ربما يكون من الاستعجال الذي يؤدي إلى قمع هذه الصحوة والقضاء عليها في مهدها.
ثم إن السياسة ليست غاية من غايات الدعوة إلى الله، إنما هي ثمرة تتحقق بالغلبة والنصر، والغلبة والنصر لا تتأتى إلا بأصول وغايات وأساليب ووسائل أخرى يتلمسها الدعاة ويسعون فيها.
فأول الخطوات التي يجب أن نعنى بها: تسديد هذه الصحوة وترشيدها، وبناء خططها على الأصول الشرعية أصول أهل السنة والجماعة، في أساليبها وفي مناهجها، وفي غايتها وأهدافها.
أما القفز إلى كواليس السياسة لا تقتضيه الحاجة في الوقت الراهن، ولا الضرورة، بل المصلحة إغفال هذا الجانب، وسيهيئه الله سبحانه وتعالى.