[وجوب التزام السنة والجماعة وعدم التفرق في الدين]
من المسلمات في الدين: أنه لا يجوز التفرق في الدين، ويجب التزام السنة والجماعة، كما أمر الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:١٠٣].
والافتراق واقع في هذه الأمة، فحين نهانا الله عن التفرق في الدين، فقد أخبرنا أن التفرق سيكون، كما قال سبحانه عن الأمم: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٨ - ١١٩]، فالافتراق واقع لا شك، لكن لا يعني ذلك أن جميع الأمة ستقع في الافتراق، بل لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن الافتراق أخبر أن طائفة تبقى على الحق ظاهرين وهم الجماعة وهم أهل السنة، ولما سأله الصحابة عن هؤلاء: من هم؟ قال: من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي، وبهذا نعرف تميز أهل السنة والجماعة بهذا الوصف.
إذاً: الافتراق واقع في طوائف من المسلمين، وقد يكون في الأكثرية؛ لأن الإسلام قد يكون في غربة أحياناً، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سيعود غريباً كما بدأ غريباً، والغربة نسبية قد تكون في زمن دون زمن، وفي مكان دون مكان، لكن لا يمكن أن ينمحي الدين بالكلية أبداً، لا بد أن يبقى أهل السنة وأهل الحق وهم الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يبقوا إلى قيام الساعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة)، وهم الذين يقاتلون الدجال ويقاتلون مع المهدي ومع عيسى عليه السلام، وبعد أن تقبض أرواحهم لا يبقى بعدهم إلا شرار الخلق مدة يسير ثم تنتهي الدنيا وتقوم الساعة.
إذاً: الحق باق بمن تقوم به الحجة على الخلق، وهم أهل السنة والجماعة إلى قيام الساعة، لكن مع ذلك تقع طوائف الأمة في صراع، دليل ذلك قوله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٨ - ١١٩].
وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) وفي بعض الروايات: (حذو القذة بالقذة).
وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً قال: (حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) يعني: طوائف من الأمة، وليس كلهم.
ومن يبقى على الحق هم أهل الحق، هم الذين على السنة، ولذلك سموا أهل السنة، وهم الجماعة المعتصمون بحبل الله، ولذلك سموا الجماعة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأهوال والفتن، قال: (عليكم بسنتني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) وقال: (عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة) إلى آخره من النصوص التي تدل قطعاً أن من المسلمات الضرورية أن الجماعة لا بد أن تبقى وإن قلّت، ولا بد أن تظهر السنة وإن قل أهلها، وهؤلاء هم الذين على منهج السلف الصالح، وهم الطائفة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم أنها على البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وهي السنة.
إذاً: من المسلمات أن الافتراق واقع وهو خبر الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يكذب، ووقوعه حق وصدق، فلا بد من التسليم بذلك، لكن الشأن في أن على كل مسلم أن يحفظ نفسه من الوقوع في الأهواء ويحذرها، وإلا فالشرور والأهوال والبدع والافتراق لا بد أن تحدث إلى قيام الساعة وتتجدد أيضاً، لكن ينبغي أن يعلم أن المفارقين للسنة والجماعة على صنفين: الصنف الأول: الذين يخرجون من الملة، نسأل الله العافية، فهؤلاء لا يعدون من فرق المسلمين الثنتين والسبعين فرقة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) وهذه الواحدة هي أهل السنة والجماعة، لكن الفرق التي تفارق الجماعة إلى أمر يخرجها من الملة ليست من الفرق الثنتين والسبعين المتوعدة الهالكة، ومن هؤلاء الذين يخرجون من الملة: غلاة الجهمية، الرافضة الباطنية، الفلاسفة، أهل الردة، المنافقون الخلص ونحو هؤلاء، هؤلاء لا يعدون -وإن انتسبوا للإسلام- من فرق المسلمين، لكن الذين خالفوا السنة بالبدع والأهواء والافتراق، ولم يقعوا فيما يخرج من الملة، وهم الأكثرية من فرق المسلمين الثنتين والسبعين، هؤلاء من المسلمين، لكنهم ضلوا، يسمون: أهل الأهواء، ويسمون أهل البدع، ويسمون: أهل الافتراق، ويسمون: أهل الوعيد، وأعمالهم وأفعالهم هي من كبائر الذنوب، ويخشى على الواحد منهم إذا ما تاب أن يدخل النار إذا لم يتغمده الله برحمته.
أقول: إن الفرق الثنتين والسبعين مثل: فرق الخوارج، والمرجئة، وبعض فرق القدرية، وأكثر المعتزلة، وأهل الكلام، ومتكلمة الأشاعرة، والماتريدية، وأكثر الفرق التي تعد من فرق المسلمين لا تخرج من الدين، وإنما تعد من الفر