للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تاريخ الافتراق في الإسلام]

المسألة الرابعة: تاريخ الافتراق في الإسلام، وهذا مفيد؛ لأن فيما حدث في أول الإسلام عبرة، ولا أستطيع أن أتكلم عن تاريخ الافتراق تفصيلاً، لكني سأقف على بعض النقاط التي هي موطن عبرة، والتي لابد من تصحيح المفهوم فيها، فيما أخطأ فيه كثير من الناس في العصر الحاضر: أولاً: أول عقائد الافتراق التي ظهرت في الأمة هي العقائد السبئية عقائد الشيعة، فأول ما سمع الصحابة من عقائد الافتراق والفرقة بين المسلمين هي عقائد السبئية، وقد قال بها شخص اختلف في اسمه، والأشهر أنه عبد الله بن سبأ، فقال بها بين المسلمين فاعتنقها كثير من المنافقين، ومن الكائدين الذين كادوا للإسلام، ومن الجهلة، ومن الموتورين الذين ظهر الإسلام على بلادهم وعلى أديانهم، فاعتنقوا مقولات ابن سبأ فسارت بين المسلمين سراً حتى ظهرت منها: الشيعة، والخوارج.

هذا بالنسبة لأول العقائد التي ظهرت بين المسلمين تخالف أصول الإسلام وتشمل سائر أمور العقيدة.

أما أول الفرق ظهوراً وافتراقاً عن إمام المسلمين وعن جماعتهم فهي الخوارج، والخوارج نابتة نبتت من السبئية، الخوارج هي فرقة سبئية، وبعض الناس يظن أن السبئية شيء والخوارج شيء آخر، لا، الخوارج هم نبتة من نبتات السبئية النكدة، وكذلك الشيعة نبتة من نبتات السبئية النكدة، والسبئية افترقت إلى فرقتين رئيسيتين: هي الخوارج، والشيعة.

رغم ما بين الخوارج والشيعة من بعض الفوارق، إلا أن الأصل واحد، وأصل ذلك الفتنة على عثمان رضي الله عنه التي أثارها ابن سبأ بأفكاره وعقائده وأعماله، فانبجست منها أخبث العقائد: وهي الخوارج، والشيعة.

والفرق بين الشيعة والخوارج أيضاً صنعه المبطلون، بمعنى أن ابن سبأ بذر بذوراً تناسب طائفة الخوارج، وبذوراً أخرى تناسب طائفة الشيعة، وجعل بينهما شيئاً من العداء لتفترق الأمة كما يحدث الآن، أو كما صنع أعداء الإسلام ضد المسلمين ما يسمى بلعبة اليمين واليسار، قسموا المسلمين إلى أحزاب، هذا أحزاب يمين وهذه أحزاب يسار، وهذه اللعبة واحدة، ومنشؤها واحد، وأصل القائلين بها واحد، هذا أمر.

وأمر آخر لابد من التنبيه عليه: وهو أنه في تاريخ الافتراق لم يحصل من الصحابة أفترق ألبتة، وما حصل بين الصحابة إنما هو خلافات كانت تنتهي إما بالإجماع، وإما بالخضوع لرأي الجماعة والالتفاف حول الإمام، هذا هو ما حصل بين الصحابة، ولم يحصل من صحابي أن افترق عن الجماعة، فالصحابة الأئمة المقتدى بهم في الدين لم يحصل من أحد منهم أنه فارق الجماعة أبداً، ولم يحصل أن أحداً منهم أيضاً يُعد قوله أصلاً في البدع، ولا أصلاً في الافتراق، والذين نسبوا بعض المقولات أو بعض الفرق إلى بعض الصحابة إنما افتروا عليهم أكبر فرية، ولا صحة لما يقال: من أن علي بن أبي طالب هو أصل التشيع، أو أن أبا ذر هو أصل الاشتراكية، أو أن فلاناً من الصحابة هو أصل كذا، كل ذلك إنما هو من الباطل المحض.

ثم إن الافتراق لم يحدث إلا بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وحينما حدثت الفتنة بين المسلمين خرجت خارجة الخوارج، وخارجة الشيعة، أما في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، بل حتى في عهد عثمان لم يحدث افتراق ألبتة.

ثم إن الصحابة قاوموا الافتراق، ولا يظن ظان أن الصحابة غفلوا أو جهلوا، أو أنهم لم يتنبهوا لمسائل الافتراق، سواء كانت أفكاراً أو عقائد أو مواقف أو أعمالاً، بل وقفوا ضد الافتراق أشد الوقوف، وأبلوا في ذلك بلاء حسناً بحزم وقوة، لكن أمر الله لابد أن يقع.

من المناسب أن أشير إلى أصول البدع التي انبثقت عنها الفرق، ثم انبثق عنها الافتراق، وأقصد بذلك الأشخاص الذين تولوا كبر ذلك وصاروا أئمة ضلالة إلى يوم القيامة، وبعدهم انفتح باب الافتراق، وكثر المضللون.

أول أولئك: عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى الإسلام، وأتباعه وأشياعه كثر، فقد جمع بين بدعة الخوارج وبدعة السبئية.

ثم بعد ذلك ظهرت بدعة القول بالقدر، وأول من قال بها على نحو معلن وصار له أتباع هو معبد الجهني، لكن بدعته لم تكن على الحد الذي كانت عليه فيما بعد من الانحراف والخطورة.

ثم جاء بعده غيلان الدمشقي الذي تولى إثارة كثير من القضايا حول القدر، وأيضاً حول التأويل والتعطيل.

وغيلان بعدما استتيب ولم يتب قتل.

ثم جاء بعده الجعد بن درهم فتوسع في هذه المقولات، وجمع بين مقولات القدرية، ومقولات المعطلة والمؤولة، وأثار الشبهات بين المسلمين، حتى انبرى له كثير من السلف واستتابوه ولم يتب، وجادلوه وأقاموا عليه الحجة فلم يرجع، فلما افتتن به الناس حكم بضرورة قتله درءاً للفتنة، فقتله خالد بن عبد الله القسري في قصته المشهورة، حينما قال بعد خطبته في عيد الأضحى ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم

<<  <  ج: ص:  >  >>