[بيان العلماء في حرمة مشاركة المسلمين للكفار في أعيادهم]
من المفيد أن نقف وقفة في مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، خاصة حينما ظهرت بعض مظاهر هذه المشاركة في الآونة الأخيرة من بعض جهلة المسلمين، أو الفساق والفجار منهم، فكان لا بد من البيان والتفصيل في هذا الأمر على وجه تقوم به الحجة وتؤدى به النصيحة.
وأبدأ هذا البيان بفتوى للشيخ محمد بن عثيمين، وربما قد قرأها أكثركم، ومن المعلوم -قبل أن أقرأ الفتوى- أن النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من أنواع المشاركة أمر مجمع عليه قديماً وحديثاً، وهو رأي المشايخ الآن جميعاً، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كتاب صغير جيد في هذا الموضوع أنصح بقراءته.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم؛ لأن ذلك ينبئ عن رضا بهذا العيد وإقرارهم، ولا يجوز رضا المسلم بشعائر الكفر ولا الإقرار بها؛ لأن ذلك لا يرضي الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥]، فهذا فيه إشارة إلى أن العيد دين.
ونقل ابن القيم رحمه الله تعالى في (أحكام أهل الذمة) الاتفاق بين أئمة الدين على أنه لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم، وهذا مجرد التهنئة فكيف بالمشاركة؟ وأما كونهم يهنئوننا بأعيادنا فإنما يهنئوننا بأمور رضيها الله لعباده، وشرعها لهم، بخلاف تهنئتنا إياهم بأعيادهم؛ لأن جميع الأديان منسوخة بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وإذا هنئونا بأعيادهم فإنا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا.
وإذا كان لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم، فإنه لا يجوز مشاركتهم فيها والذهاب إلى أماكن احتفالاتهم بها، ولو بدعوة منهم، ولا تجوز مجاملتهم في هذه الأمور؛ لأن هذا من المداهنة في الدين، والله أسأل أن يهديهم لدين الإسلام، وأن يثبتنا عليه، ويرزقنا الاعتزاز به.
كتبه: محمد الصالح العثيمين رحمه الله.
أيضاً هناك كلام جيد أشبه بمقالة للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى، يقول فيه: أما بعد: فإن تخصيص يوم من السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على أنه بدعة في نفسه ومحرم، وشرع دين لم يأذن به الله، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق، إذ العيد اسم لما يعود مجيئه ويتكرر، سواء كان عائداً بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثم يقول: وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين اللذين يفوقان أي عيد كان، وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام.
فهذه مقتطفات من قوله.
ثم قال: وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية: أحدها: المضاهاة بذلك الأعياد بالأعياد الشرعية.
الثاني: أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد، بل هو من باب تحريم البدع في الدين، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله، كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا -هذا كلام الشيخ- وهو -أي: التعييد- أغلظ وأفظع من المحرمات الشهوانية ونحوها.
الثالث: أن ذلك اليوم الذي عيِّن للوطن -يشير إلى اليوم الوطني- الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس والمجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً، وهو أبلغ من التحريم من التشبه العام.
الرابع: أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم، ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك -وليس بسائغ ألبتة- لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك.
وأختم كلام الشيخ محمد بن إبراهيم برسالة برقية كان أرسلها لولي الأمر في وقته فقال: صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله! بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يسمى يوم النظافة، وقد احتفل به في جدة، وأبدي لجلالتكم حفظكم الله! أن تخصيص هذا اليوم والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع، حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه، أما النظافة فأمرها معروف، وهي مطلوبة في كل وقت، ولا تخصص بوقت دون وقت، بلغني هذا الخبر وعسى ألا يكون صحيحاً، وغيرتكم للشرع وحمايتكم له تأبى إقرار هذا الشيء وأمثاله، تولَّاكم الله بتوفيقه.
عام (١٣٧٩هـ).
وفي